البر المؤجل
دارت خطبة الجمعة أمس حول موضوع غاية في الأهمية، ألا وهو الاعتناء بالأبناء، والبر بهم، بحسن تربيتهم على الأخلاق والسلوك الحميد، والابتعاد بهم عن مواطن التردي والانحدار والعقوق فيما بعد في كبرهم.
نبه خطيب الجمعة، أن التربية القويمة تأتي في البداية من اختيار الأم ذات الخلق والدين، فسيكون عليها العبء الأكبر في تربية النشء، فبث الأخلاق في النفوس منذ الصغر مثل النقش على الحجر، يترك أثرا مهما لا يُمحى من شخصية الإنسان، وكذلك الطفل أيضا حينما ينشأ على احترام المجتمع، واحترام والديه وإخوته والبر بهما، تتجه بوصلة المجتمع برمته إلى الاتجاه القويم، فالمجتمع عبارة عن منظومة متشابكة تتصل ببعضها البعض.
نبهت الخطبة أيضا إلى أننا إذا أردنا أن يبرنا أبناؤنا في كبرنا، فلا بد أولا أن نبرهم نحن، بحسن اختيار كل مقومات حياتهم التي سيتعايشون بها بين الناس، بداية من الاسم الحسن الذي لا يسبب لهم حرجا اجتماعيا فيما بعد، ودواما بالعطف والرعاية والاهتمام والحنان والعطاء.
قال لى صديقي: أحاول تنشئة ابنى ذي العشرة أعوام على روح التعاون معنا في المنزل، فإذا ذهب لشراء احتياجات المنزل أصطحبه معى، وأترك له أشياء بسيطة يحملها معى على قدر سنه وتحمله، وعندما نعود إلى البيت، تسأله والدته، هل ساعدت أباك؟، فيرد ابنى بنعم، فأقول في جملة أبتغى من خلفها شحذ همّة ابنى وتقدير دوره، نعم ساعدنى ولولاه ما قدرت أن أحمل هذه الأشياء وحدى، فأجد ابنى يبتسم بفرحة واعدا إياي أنه سيذهب للشراء معى في كل مرة دون أن اطلب.
أدرك الولد الصغير أن دوره مهم في حياة والده وأسرته، مهما كان هذا الدور بسيط من وجهة نظر الكبار، لأن أباه بث فيه قيمة التعاون والمسئولية، فخلق هذا الأب بذلك حالة من الطاعة غير الآمرة.
وهذا صديق آخر يقول: أساعد زوجتى في شئون المنزل دون أن تطلب، أدخل إلى المنزل فأجدها قد أعدت الطعام وتراجع دروس الأولاد، فأقوم بتسخين طعامى لنفسي ثم أغسل الأطباق، ولا مانع إن وجدت ملابس تحتاج أن توضع على منشر الغسيل أن أفعل، وأوفر مجهودها دون طلب منها، وبالاعتياد على ذلك وجدت أبنائي يبادرون هم أيضا لنفض الكسل ومعاونة والدتهم في كل شئ، بداية من الاعتماد على أنفسهم حال عودتهم من المدرسة، إلى غسل أطباق الطعام بعد الفراغ منه، وترتيب أدواتهم وملابسهم.
لا تضرب، ولا تهن، ولا تسب، لا تكن مسخا في أعين أبنائك، دعهم يستمدون منك القوة الحسنة، بحسن المعاملة، وبالحوار والنقاش، بإعمال العقل لا اليد، بأن تكون صديقهم الأول دائما وابدا في كل الأوقات والأحيان، اجعلهم يلجئون إليك أولا، وليس لأصدقائهم، كن وطنا متسعا من الرحمة، تحمل عنهم الآمهم وتشاركهم أحلامهم، تصادق أصدقاءهم، تتبسم في وجوههم، تمزح معهم، تقترب من عقولهم ومستويات تفكيرهم أكثر فأكثر، تقتنص أوقاتك من أجل لحظات الاستمتاع بصحبتهم.
إذا أردنا أن ينشأ أولادنا وفق رغباتنا وطموحاتنا، فلنقدم نحن أولا ذلك، بتصرفاتنا أمامهم، بالاعتناء بهم، بحسن الإنفاق من غير إسراف أو حرمان، بحسن المشاركة في المسئولية وإشعارهم بأهمية ذلك، بالاهتمام بأصدقائهم واحترامهم أمامهم وعدم الإقلال منهم أو إضعاف شخصيتهم بوصفهم أنهم لا قيمة لهم، فلنقدم لأنفسنا برا مؤجلا سنسترده لاحقا، نزرعه الآن لنجنى ثماره في هرمنا وشيخوختنا، فرفقا بتلك الوردات الصغيرات.