«سبوبة المليار جنيه».. بالأسماء 10 جهات أجنبية قدمت دعما لمنظمات أهلية في 2018.. مؤسسات أمريكية تقدم 40% من الدعم المقدم للمنظمات والاتحاد الأوروبي صاحب نصيب الأسد
فجرت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، مفاجأة من العيار الثقيل، بإعلانها حجم التمويل الأجنبي المقدم للمنظمات الحقوقية في مصر، وتأكيدها أن المبلغ وصل إلى مليار جنيه تتلقاه الجمعيات الأهلية من مؤسسات تمويل دولية، في ظل ادعاءات يروج لها ناشطون في المجال الحقوقي تشير إلى عزوف الممول الأجنبي عن دعم أنشطتهم.
تصريحات الوزيرة كشفت أكذوبة المسئولين عن الجمعيات الحقوقية عن وقف برامج التمويل الموجهة لهم، وتوجه الجهات المانحة في مصر نحو تمويل المشروعات والبرامج الاقتصادية والتنموية، التزامًا منها بالأجندة الأممية المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة.
على مدى ثماني سنوات، أثبتت التحقيقات أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت التمويل الأجنبي كوسيلة لخلق حالة من الإرباك والفوضى في مصر، عبر ضخ أموال ضخمة لمنظمات مصرية وأمريكية تعمل في أنشطة المجتمع المدني، بشكل تضاعف بعد ثورة 25 يناير 2011م.
34 متهمًا مصريًا أحيلوا إلى محكمة جنايات القاهرة على خلفية القضية رقم 173 لسنة 2011م، المعروفة إعلاميا بـ«قضية التمويل الأجنبي» وجهت إليهم عددًا من الاتهامات على رأسها، اقتطاع جزء كبير من المبالغ المخصصة لأعمال التنمية السابق الاتفاق عليها بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، سواء في مجالات الصحة والبنية التحتية على ضوء برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية، جانب كبير من أموال البرنامج خصص لمصالح تلك المنظمات، على الرغم من كونها تضطلع بأعمال سياسية بحتة.
في ظل ادعاءات المنظمات الحقوقية بهروب التمويل الأجنبي، لا يزال عدد آخر من هذه المنظمات ذات النشاط الحقوقي، موجودة على الأرض، وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول مصادر تمويل هذه المنظمات، وما الهيئات المانحة الموجودة في مصر، وحجم تمويلها، وهل تضاءل أم لا يزال بالحجم نفسه بعد الرقابة الشديدة للجهات المعنية حركة دخول الأموال وضخها لهذه المؤسسات، والتأكد من سلامة نواياها وقانونية نشاطها.
في البداية كشف الدكتور ولاء جاد الكريم، رئيس مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، عن أسماء عدد من الهيئات الأجنبية المانحة، التي لا تزال تضخ تمويلًا لمنظمات المجتمع المدني العاملة في مصر لا سيما في مجال التنمية التي لا تزال تستقبل تمويلًا خارجيًا تحت إشراف الحكومة، وإن كان بنسبة أقل من خمس سنوات مضت، مشيرا إلى أن للاتحاد الأوروبي نصيب الأسد منها، الذي اتجه لتمويل المشروعات الاقتصادية والتنموية في السنوات الأخيرة.
وأوضح أن السبب الرئيسي لتخفيض نشاط المنظمات الحقوقية في مصر، هو انسحاب المؤسسات الأمريكية المانحة، التي كانت تمول ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر بنسبة تزيد على 40%، وهو ما يفسر اختفاء عدد من المنظمات المصرية، وتجميد نشاطها بشكل ضمني حتى وإن لم يكن معلنًا، مشيرًا إلى أن أحد أسباب انسحاب التمويل الأمريكي، تورط بعض ممثليهم في قضية التمويل الأجنبي، والجدل الذي أثير حول قانون الجمعيات الأهلية والإجراءات الإدارية التي حددها القانون المتعلقة بقبول التمويل الخارجي.
وأوضح «جاد الكريم» أن الوجود الأمريكي كممول للعمل الأهلي لا يزال موجودا، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إلا أن تمويلها تضاءل جدًا، بالإضافة إلى وجود المؤسسة السويسرية للسلام "سويس بيس" وكذلك الوكالة الهولندية، والعدالة الدولية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وكلها جهات تمول الملف الحقوقي والمنظمات العاملة به، مشيرًا إلى أنه عقب 30 يونيو انخفض حجم التمويل الأجنبي لملف حقوق الإنسان إلى 25%، وتعاظم تمويل المشروعات والخطط التنموية، الأمر الذي أرجعه لأسباب سياسية فضلًا عن تغيير أجندة المانحين، لا سيما أنهم يستهدفون مناطق وليس مؤسسات أو دولة، ويسعون إلى إيجاد المنطقة المناسبة لهم وفقًا للظروف والمعطيات لتنفيذ برامجهم، في ظل انحسار بل غياب التمويل المحلي الذي يعتمد التبرعات.
من جانبه قال حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان - رئيس مجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن وضع منظمات المجتمع المدني بمختلف أنشطتها شديد السوء، لا سيما في ظل قانون ٧٠ لسنة ٢٠١٧ المعروف بقانون الجمعيات الأهلية الذي بادر رئيس الجمهورية وكلف بتعديله، وكذلك مع استمرار القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ المعروفة إعلاميًّا بقضية «التمويل الأجنبي».
وأوضح أن الظرف الذي تعيشه المنظمات الحقوقية، أعطى فرصة أن يكون الصوت الخارجي الذي ينتقد ملف حقوق الإنسان في مصر، هو الأعلى والأكثر صدى وتأثيرا من أي صوت آخر عاقل داخل مصر، وبالتالي لا بد أن تكون هناك انفراجة لنشاط منظمات المجتمع المدني، إلى جانب أجندة عمل حقيقية وقادرة على تحقيق مبدأ الإنصاف.
وأضاف: "أُثمِّن كل المبادرات الداعية إلى تمويل منظمات المجتمع المدني تمويلا محليا، مما يؤدي إلى ترشيد العمل الأهلي وإجادة إدارة نشاطه، في ظل تخفيض وجود الجهات المانحة المعنية بالملف الحقوقي في مصر، بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية المجتمع المدني، وكذلك التدريب والتأهيل ودعم المشاركة المجتمعية، مؤكدًا ضرورة خلق مصادر تمويل محلية جديدة، يأتي جزء منها من خلال مساهمة منظمات المجتمع المدني نفسها من خلال اشتراكات شهرية، لدعم العمل الأهلي، دون الحاجة لتمويل من جهات أجنبية".
فيما كشف مصدر حقوقي عن أسماء عدد من المؤسسات الممولة للملف الحقوقي، وعلى رأسها الوقفية الأمريكية، والسفارة الدنماركية، وأوبن سوسايتي (جورج سورس).
وأوضح سعيد عبدالحافظ، رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، أن جانبا كبيرا من المنح والتمويلات التي تضخها أغلب المنظمات الدولية، ليس خالصًا لوجه حقوق الإنسان وتحديث حياته ورفاهيته كما تدعي، لكنها ترتبط بأبعاد سياسية ومصالح دول وجهات، مشيرًا إلى أن أغلب الجهات المانحة عزفت عن تمويل المنظمات الحقوقية عقب قيام ثورة 30 يونيو 2013 لأسباب سياسية، وأن هذه الجهات اقتصر تمويلها على مندوبيها ورجالها من الحقوقيين.
وأضاف «عبد الحافظ» أن عزوف الجهات المانحة، لا يعني أن التمويل انقطع بصورة نهائية، لكنه تضاءل للقدر الذي أدى إلى توقف أنشطة معظم الجمعيات، بحجة الاعتراض على قانون الجمعيات الأهلية 70 لسنة 2017، وكانت الذريعة الأخيرة لهذه الجهات المانحة عقب صدور قانون الجمعيات الحالي، مؤكدًا على ضرورة إلزام كل المؤسسات الحقوقية بالخضوع للقانون عقب تعديله.
"نقلا عن العدد الورقي"..