«أريح وأستريح».. إبراهيم سعدة صاحب أول استقالة في تاريخ الصحافة
«أريح وأستريح» عبارة قلبت مصر رأسًا على عقب، اختتم بها الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم سعدة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، مقاله الذي نشر في الصفحة الرئيسية بالجريدة، في يونيو ٢٠٠٥، في سابقة تاريخية، كأول رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية قومية يتقدم باستقالته، بل كأول مسئول يستقيل من منصب بمحض إرادته، بعد حلمي مراد، وزير التعليم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
عدد ١٨ يونيو ٢٠٠٥ من جريدة أخبار اليوم كان استثنائيا، الجميع يتحدث عن الاستقالة المفاجئة لإبراهيم سعدة، رفضًا للقوانين الصحفية التي أعدت بإشراف لجنة سياسات الحزب الوطني برئاسة جمال مبارك، النجل الأصغر لرئيس الجمهورية آنذاك، بمعاونة صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى حينها، وأنس الفقي، وزير الإعلام الأسبق، التي اعتبرها الراحل تدخلا في العمل الصحفي للمؤسسات.
"لا شأن لي بما يخطط له رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام، ولجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم(برئاسة جمال مبارك) فهذا شأنهم، وتلك قناعاتهم، ولكن من حقي في المقابل أن أحافظ على كرامتي، وعلى البقية الباقية من احترام الآخرين لشخصي، وأطالب مجلس الشورى بقبول استقالتي لـ "أريح وأستريح" وهذه كانت آخر فقرة سطرها إبراهيم سعدة في مقاله التاريخي.
ويقول ممدوح الصغير، رئيس تحرير أخبار الحوادث السابق: "كان عمر إبراهيم سعدة، حينها ٦٥ عامًا، وكان سببًا رئيسيا في استقالته بعدما تجاوز السن القانونية، فقرر إنهاء خدمته في المؤسسة، ولولا استقالة إبراهيم سعدة، لما عرفت الصحافة المصرية التغييرات الصحفية، وظلت المناصب مخلدة لأشخاص بأعينهم".
وفي ذلك الوقت روج الموالون للدولة وأعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني، أن استقالة «سعدة» جاءت وسط تقارير عن تغيير متوقع في المناصب القيادية في المؤسسات الصحفية القومية، وقبل صدور حكم من محكمة القضاء الإداري في دعوى أقامها صحفيون في أخبار اليوم طالبين إنهاء خدمته لتجاوزه السن القانونية المؤهلة لشغل المنصبين.
وظل رئيس مجلس الإدارة المستقيل، في المنصب لتسيير الأعمال لمدة شهر كامل، لحين الإعلان عن التغييرات الصحفية الجديدة، يقول: «كانت من أفضل الفترات التي عاصرتها أخبار اليوم، تجرد فيها عن الأعباء الإدارية بعض الشيء، وتعامل بروح الصحفي الإنسان، التي عرفها عنه الجميع».
وكان «سعدة» صحفيا عصريا عربيا بمواصفات أوروبية، رقيقا وخيرا، ارتبط به السعاة ارتباطًا إنسانيًا، استقال احترامًا لرغبات بعض الصحفيين داخل المؤسسة، وظل مرتبطًا بالعاملين بها، وهو ما يعرفه القاصي والداني داخل المؤسسة، فحقق للساعي عبد العظيم حلمه في حج بيت الله الحرام، دون أن يجهر بفعلته، إلا أن الساعي أعلنها للجميع، وهو ما ترجم اليوم أثناء تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في انهيار عاملين من أرباب المعاشات انتميا للمؤسسة وتعاملا معه عن قرب.