رئيس التحرير
عصام كامل

«آخر عمود».. يوميات سعدة المثيرة للجدل.. أقنع السادات بالتصوير في «حمام منزله».. ابتدع لقب «رئيس تحرير المصورين».. الصحافة مبناخدش منها فلوس.. مدرسة المشاغبين خلل مسرحي

الكاتب الراحل إبراهيم
الكاتب الراحل إبراهيم سعدة

طوال حياة إبراهيم سعدة التعليمية، كانت الصحافة هي كل شيء في حياته، فشارك في مجلة المدرسة الثانوية، ثم شارك مع أصدقائه مصطفى شردي، وجلال عارف، وجلال سرحان العمل بمجلة بورسعيد الأولى، عام 1962.


خبطة صحفية
وحقق إبراهيم سعدة خبطة صحفية سياسية حولت مجرى حياته، عندما طلب منه مصطفى أمين تغطية خبر لجوء جماعة النحلاوي سياسيًا إلى سويسرا، بعد حدوث الانفصال بين مصر وسوريا، ونجح في اجتياز هذا الاختبار الصعب، والتقى بجماعة النحلاوي وحصل منهم على تفاصيل مثيرة عن مؤامرة الانفصال وحقيقة تمويل الملك سعود لعملية الانفصال، وبعد يوم واحد تم تعيينه بجريدة أخبار اليوم.

مدرسة المشاغبين، مسرحية عشقها الشباب وهاجمها سعدة، حيث هاجم هذه المسرحية بضراوة، لأنها على حسب رأيه، سببت خللا مخيفا أصبح يمثل ظاهرة مصرية.

وقال رئيس تحرير أخبار اليوم الأسبق في مقال له "يبدو أن مدرسة المشاغبين حققت الهدف من ورائها، بدليل عشرات ومئات الآلاف الذين تخرجوا فيها دفعة بعد أخرى، فالصغير لم يعد يحترم الكبير، والابن لا يلتزم بنصائح الأب، وتلميذ-الإعدادي والثانوي والعالي- يفعل كل شيء وأي شيء بهدف واحد هو: السخرية من المدرس والتطاول على الناظر، حتى يكسب إعجاب وتصفيق زملائه من التلاميذ والتلميذات، لن أذهب بعيدا، ولن أنظر حولي بحثا عن أمثلة لهذا الخلل المخيف لكل ما كنا نحترمه، ونجله، ونحرص عليه، من القيم والمبادئ، وأبرزها احترام الجاهل للعالم، وتوقير الصغير للكبير"، كتب سعدة، عام 1997، هذا المقال، في المقام الأول، ليناقش فيه قضية التبرع بالأعضاء، وهاجم فيه طبيبا كتب مقالا يخالف رأي شيخ الأزهر وقتها، الدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي رأى أن التبرع بالأعضاء جائز شرعا، أما هذا الطبيب فيرى العكس، واستشهد "سعدة" بـ"مدرسة المشاغبين" ليقول إن هذا الطبيب لا يحترم آراء من يفوقه علمًا، لأنه متأثر بالأخلاق التي نشرتها المسرحية الشهيرة.

قرار السادات
وفي مفاجأة من مفاجآت الرئيس الراحل أنور السادات، أصدر قرارا بتعيينه رئيسا لتحرير «أخبار اليوم» رغم صغر سنه، واستطاع إقناع الرئيس السادات بتصويره في منزله منذ لحظة استيقاظه بعدسة المصور الصحفي الفنان الراحل فاروق إبراهيم، ونشر إبراهيم سعدة الصور الجريئة التي أحدثت ضجة كبيرة، فقد ظهر فيها السادات بملابس نومه ثم وهو يحلق ذقنه ثم وهو يمارس تمارين الصباح، وغضبت جيهان السادات من نشر تلك الصور الجريئة.

وفي لقاء بالتليفزيون المصري، روي المصور الصحفي الراحل فاروق إبراهيم، حكايات ومواقف، جمعته بصاحب "آخر عمود"، بمصر وسويسرا، كان اللقاء الأول عام 1961 بسويسرا، أصابت "فاروق" الدهشة عند اللقاء الأول مع سعدة، حين شاهده مرتدًيا "بالطوا فرو" غالي الثمن، مستقلا سيارة مرسيدس أحدث موديل، فكان رد "سعد" حينها "أهلينا اللي بيصرفوا علينا ما بناخدش ولا مليم من الصحافة".

وفي لقاء آخر بحضور الرئيس السابق محمد حسني مبارك بالصين، بعد أن عُين بالفعل بقرار من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، رئيسا لتحرير أخبار اليوم، وبناءً عليه، أصدر قرارا بتعين "فاروق إبراهيم"، رئيس تحرير الصورة، وكان لقبًا جديدًا أطلقه سعدة لأول مرة، كان غريبا على الأسماع بالطرق شتى حينها، علم إبراهيم سعدة بمرض نجل المصور الصحفي فاروق إبراهيم، فاستدعاه في ساعة متأخرة من الليل، ليفاجأ المصور الصحفي بظرف صغير في انتظاره، يحتوي على 10 آلاف جنيه، فسأله كيف سأسدد هذا المبلغ؟، وكان رد سعدة "هترجع إيه دي هدية مني أنا".

الصخب الصحفي
"أنور وجدي"، كان اسم عموده بجريدة أخبار اليوم، في ترابط غير معهود بين مهنة البحث عن المتاعب والفن، وفي مقال له بعنوان "الصمت الحكومي والصخب الصحفي"، هاجم سعدة من الصحفيين التي تتغير مواقفهم السياسية حسب مناصبهم، وقال في مقاله إن "من الأقوال الساخرة والمؤلمة، أن يوصف أحدهم، تعليقا على مقال معارض كتبه، أو موقف مخالف أعلنه، أو نقد عنيف يحسب له: "هذه شجاعة ما بعد الستين"، والمقال يفهم كما يقولون من عنوانه، فالمقصود هنا الكاتب الذي يتحول فجأة من مؤيد إلى معارض، بمجرد تخليه عن منصب رئيس مجلس الإدارة أو منصب رئيس التحرير، والكاتب الذي كان مهللا للحكومة أثناء سنوات عمله الطويلة في إحدى المؤسسات الصحفية القومية، ثم ينقلب مهاجما لها، بمناسبة وبدون مناسبة، بمجرد تركه الصحيفة القومية، ليعمل في صحيفة حزبية أو مستقلة".

ومن مقاله المثير للجدل عام 2000، الذي حمل عنوان "من مبارك إلى كلينتون"، وكان ردًا منه على مقال مناظر من الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، حمل عنوانا مماثلا، لكنه مضادٌ في المعنى، كان بعنوان "من كلينتون إلى مبارك"، كان الصحفي الأمريكي يتهكم من خلاله على الرئيس المصري آنذاك، ويتهمه بالتقاعس عن مؤازرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في كامب ديفيد لتقديم تنازلات بشأن القدس.

مقال إبراهيم سعدة كان يحمل تفنيداتٍ لما قاله فريدمان في مقاله، وكان من بين مقتطفات مقال سعدة، وهو يحدث رسالةً تخيلية من مبارك إلى الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون "ما المانع أن أتخيل أنا أيضًا أن مبارك أرسل ردًا رقيقًا إلى صديقه العزيز بيل، يقول فيه: بيل.. إنني أقدر تمامًا الظروف الصعبة التي تمر بها في هذه الأيام، مع اقتراب انتهاء إقامتك في البيت الأبيض، وحرصك الشديد على تحسين صورة الحزب الديمقراطي الذي يخوض معركة الانتخابات الرئاسية من خلال نائبك ـ آل جورـ في مواجهة خصمه القوى ـ جورج بوش الابن مرشح الحزب الجمهوري، وأضاف سعدة على لسان مبارك حينها، "لا يخفى عليك ـ بيل ـ أن صورة الحزب الديمقراطي تأثرت كثيرًا خلال فترة حكمك، وبالذات بعد أن تحالفت قوى سياسية عديدة ضدك، وخططت ونفذت العديد من الحملات التشهيرية التي نجحت، بكل أسفٍ، في الإساءة إليك، والطعن في مصداقيتك، وخاضت في أمور وتصرفات شخصية ما كان يجب أن تخوض فيها باعتبار أن هذه الأمور ملك خاص لصاحبها".

ويروي الكاتب الصحفي صبري غنيم، أنه في بداية حكم مبارك تناول سعدة رئيس البرلمان بالنقد، وكتب مقالا تحت عنوان "المهزوز" اشتكى حينها رئيس البرلمان لمبارك، فطلب مبارك من الدكتور فؤاد محيي الدين، وكان في ذلك الوقت رئيسًا للحكومة أن يطلب من سعدة الاعتذار لرئيس البرلمان، رفض سعدة وأصر على موقفه، وكان سعدة في ذاك الوقت رئيسا لمجلس إدارة دار مايو التي تصدر صحيفة للحزب الوطني، بجانب رئاسته أخبار اليوم، فاضطر رئيس الحكومة أن يلوح بأن رئيس البرلمان من ترشيح الحزب الوطني، وإذا بسعادة يعلن استقالته من رئاسة مايو، فيسندها مبارك إلى سمير رجب عقابا لسعدة.
الجريدة الرسمية