رئيس التحرير
عصام كامل

المنفى الاختياري.. كيف قضى صاحب «آخر عمود» سنوات الغربة؟

ابراهيم ابو سعده
ابراهيم ابو سعده

لطالما كانت القسوة هي الصفة الأساسية التي تقترن دومًا بالغربة، ولكن تشتد قسوة هذه الغربة حينما تكون إجبارية، فتتحول إلى منفى لا يحتمل، مثل الذي عاش فيه الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم سعدة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الأسبق، سنواته من بعد عام 2011، أي بعد اندلاع ثورة 25 يناير، وبعدما توجهت إليه أصابع الاتهام بالفساد وإهدار أموال مؤسسة "أخبار اليوم"، وتم اتهامه في القضية التي عُرفت إعلاميًّا باسم "هدايا الأخبار".


بعدها قرر سعدة أن ينأى بنفسه واختار أن يترك أرض الوطن خشية وخوفًا على حريته، متجهًا إلى سويسرا، الجنة التي استقبلته في مقتبل حياته بعدما حصل على شهادة الثانوية العامة ليدرس بها، ثم عمل فيها مراسلًا لأخبار اليوم، والتي تحولت في سنواته الأخيرة إلى جحيم لأنها أيضًا كانت أرض المنفى الاختياري، والغربة الإجبارية.

لم تمر سنوات الغربة بردًا وسلامًا بأى حال على سعدة، عاش فيها مشتاقًا لتراب مصر ورائحة المطابع في شارع الصحافة، وهذا ما أكده الكاتب الصحفى جلال دويدار في مقال له بالأخبار في سبتمبر الماضى، مُشيرًا إلى أن الهجرة القسرية التي عاشها سعدة قد سببت له شرخًا نفسيًا كان له تأثير سلبي على صحته التي شهدت عدة أزمات طوال سنوات رحيله عن الوطن، وهذا ما أكده أيضًا عدد من زملائه، الذين أشاروا دومًا إلى أنه بالرغم من حنين سعدة الجارف إلى وطنه وما يشعر به من مرارة البُعد عنه، فإنهم حينما يتحدثون معه عن أوضاعه كان لا يشكو، وإنما كان رده الدائم هو الابتسامة وكأن الحديث يدور حول شخص آخر تمامًا غيره.

الكاتب الصحفى حمدى رزق أكد في مقال له في "الأخبار" مطلع العام الجارى، أن من يعرف إبراهيم سعدة يعلم أنه "صعبان عليه" وأنه حزين ومتألم، فهو لم يتعود الغربة، كما أنه كائن منزلي ولم يكن يغادر إلا لأخبار اليوم، وقال: "أخشى عليه من قسوة الغربة.. برد الغربة على القلوب ولا برد طوبة.. يقصف العمر"، وأضاف أن الغربة طالت طويلًا وأنه قد آن للغريب أن يعود.

وفى يوليو 2018، كتب صلاح منتصر في مقاله بالأهرام، أن ثمة أخبارا قد بلغته من رفيقة درب صديقه الغالى إبراهيم سعدة، تفيد بأنه لم يعد يستطيع أن يتناول الزاد، وأن وزنه شهد انخفاضًا ملحوظًا حتى أنه وصل إلى 60 كيلو جرامًا، وأنه تم نقله إلى المستشفى، مختتمًا مقاله بدعوة إلى "الحبيب الغالى إبراهيم" بأن يخفف الله عنه آلامه.

ومع مرور سنوات الغربة وتردى صحة سعدة ظلت أصوات وزملاء إبراهيم سعدة تتعالى منادية بعودته إلى بلاده ووضع حدًا لغربته، وإنهاء حالة الجمود التي خيمت على قضية اتهامه، حيث ناشد العديد من الصحفيين والكتاب الدولة بإنهاء محنة سعدة والسماح له بالعودة ورفع اسمه من قوائم ترقب الوصول.

وبالفعل بعد مناشدات عدة، وفى سبتمبر من العام الجارى، وصل سعدة، إلى مطار القاهرة الدولى على متن طائرة خاصة قادمًا من سويسرا وهو في حالة مرضية سيئة، بعد سنوات من الغربة الإجبارية، عاد لتتحقق أمنيته بالعودة لأرض المحروسة بعد سنوات من الغياب، عاد وتبددت بعودته مخاوفه بأن يكون مصيره كزميله إبراهيم نافع، نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام الأسبق، الذي لقي ربه وهو في الإمارات وعاد إلى أرضه جثمانًا بلا روح.

جاءت عودته بعد استجابة المستشار نبيل صادق، النائب العام، لمناشدة الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة الأهرام، برفع اسمه من قوائم ترقب الوصول والمنع من السفر، والسماح له بدخول أرض بلاده دون القبض عليه، وبعد فترة قصيرة شاء القدر أن يلقى تكريمًا خاصًا من مؤسسة أخبار اليوم بحصوله على جائزة شخصية العام، وأن يلقي سعدة ربه بعد هذا التكريم بأسبوعين وهو في وطنه، وأن يتم تشييع جثمانه، اليوم الخميس، من أكثر الأماكن المحببة إلى قلبه "6 شارع الصحافة"، حيث مقر مؤسسة أخبار اليوم.
الجريدة الرسمية