موسم جمع الغنائم!
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم حفاة فاحملهم، وإنهم عراة فاكسهم".. هذا هو الظرف الاقتصادي الذي كانت تعيشه جماعات تتبع الرسول الكريم، وهذا الظرف الاقتصادي القاسي هو السبب الرئيسي لتجاهل رماة أحد، لأوامر قائدهم النبي محمد، عندما لاح النصر لهم في بدء المعركة، فأغرتهم غنائم المشركين التي تركوها خلف ظهورهم، فكان ما كان من أمر التفاف خالد بن الوليد على المسلمين من ظهورهم، فكان النصر حليفه، والهزيمة نصيب من أغرتهم الدنيا فنسوا تعليمات القائد.
الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بهؤلاء الرماة دفعتهم دفعا لطعام وكساء وغنائم هم أحوج إليها في ظروفهم القاسية التي عبر عنها النبي الأكرم.. هذا الأمر تاريخي نتفهمه، خاصة أن الرماة كانوا مقاتلين في المعركة، تسرى عليهم قوانين الحرب من فقد وقتل وتدمير وإصابات، أي إنهم جزء من المغامرة العسكرية لهم ما لغيرهم، وعليهم ما على الآخرين في المعركة، من مقاتلين وفرسان.
في عصرنا الحديث هناك معارك لا يشارك فيها رماة ولا فرسان.. يشارك متفرجون عن بعد فإن استعرت الحرب انتظروا لمشاركة المنتصر جمع الغنائم.. بعضهم يتعجل جمع الغنائم رغم عدم مشاركته في القتال ضد فساد مثلا أو ضد عتاة الإجرام، غير أنهم أول من تراهم عند جمع الغنائم.
الذين تعجلوا جمع الغنائم، هم الذين شاهدوا المعركة بالفيديو، واختفوا خلف عوراتهم، ظنوا أن المعركة انتهت، وأن النصر لاح لفريق هم يعلمون علم اليقين أنه وفق أبجديات المنطق لن يكون منتصرا أبدا، وأن فريق المقاتلين الذي لا يزال يخوض غمار المعركة لديه من المخزون الاستراتيجي والقدرة على القتال ما يجعله يوقع من ظنوا أنه انتصر في شر الهزيمة.. عندما تنتصر الشفافية ويصر المقاتلون على استكمال مسيرتهم مهما كانت التضحيات ستكشف عورات جامعي القمامة.. عفوا جامعي الغنائم!!
من تعجلوا جمع الغنائم أوهمهم زيف صادر عن زيف دون أن يدركوا أن صهيل الخيول لا يزال يطرق الآذان وأن السيوف لم ترتد إلى غمدها، وأن المعركة ضد الفساد لا بد وأن يهزم فيها الفساد، إذ إن انتصار الفساد يخرج من دائرة المنطق إلى دائرة اللا منطق، وهو أمر لا يمكن القبول به تاريخيا.
نقول لمن أغرتهم الدنيا بغنائم وهم ليسوا من الجوعى وليسوا من الحفاة وليسوا من العراة ولم يكونوا من الرماة: انتظروا فإن القادم سيكون مزلزلا لقواعد الفساد ورجالاته وداعميه وسيطول بلا أدنى شك متفرجين أرادوا زيفا أن يضعوا أنفسهم موضع الرماة!