شيزوفرينيا (٢)
حالة الفصام امتدت من السياسة إلى الإعلام، لدينا عشرات الأحزاب ونعاني مواتًا سياسيًا.. ونمتلك عشرات القنوات والإذاعات والصحف ونعاني مواتًا إعلاميًا، والصراع على تأسيس الأحزاب بعد تعديل القانون الخاص بها، هو الصراع نفسه على تأسيس وإدارة المؤسسات الإعلامية..
والمواطن الذي فقد الثقة في الأحزاب وانصرف عنها واعتبرها كرتونية.. هو نفسه الذي فقد الثقة في الإعلام وانصرف عنه واعتبره (ضجيجا بلا طحين)، أما الاختلاف بين الاثنين فهو أن الأحزاب يدير دفتها رؤسائها، أما الإعلام فيدير دفته خمس جهات تاهت الرؤية بينها وضاع الهدف، وربما كان ذلك الدافع للمطالبة بإعادة وزارة الإعلام.
المجلس الأعلى للإعلام والهيئتان الوطنية للصحافة والوطنية للإعلام ونقابتا الصحفيين والإعلاميين.. جهات قائمة على كل ما يذاع وينشر في عشرات القنوات والمحطات الإذاعية والصحف، منها التابع للدولة والآخر التابع لمؤسسات خاصة وأشخاص..
وعلى الرغم من الصراع على رئاسة الهيئات وحالة الترقب التي يعيشها العاملون في مجال الإعلام، وعلى الرغم من الصراع على العمل في القنوات وعمليات المنح والمنع، والحديث الذي لا يتوقف عن الريادة الإعلامية.. فإن المنتج لا يتناسب مع كل هذا الضجيج، نتحدث ليل نهار على الشاشات، وننفق المليارات، ونتحدث عن المصداقية، ولا نمارسها، تلك هي (الشيزوفرينيا) التي أفقدتنا الإحساس بما نقدمه، حالة الفصام هذه فصلتنا عن الجمهور، فانصرف عن الجميع ليَجد ضالته في قنوات تبث من الخارج وتهدد استقرار الوطن.
دعونا نواجه أنفسنا بأمراضنا ولا داعي للمكابرة إذا كنا نريد إصلاحًا، نحن نعاني فصامًا لو استمر فستكون عواقبه وخيمة على الجميع، يعتقد كل مذيع أن العالم كله يشاهده، معتمدًا على تقارير مضروبة يقدمها له العاملون معه، والحقيقة التي يعرفها المذيع وكل من حوله هي أن نسب المشاهدة تراجعت بشكل مخزٍ، والنسبة الأعلى أصبحت من نصيب القنوات التي تبث من الخارج، تلك حقيقة كاذب من ينكرها، واستفتاء لا يستغرق بضعة أيام على مواطني الريف والحضر يؤكد صحة ذلك.
ومن السياسة والإعلام إلى رجال الأعمال، حيث تتجلى حالة الفصام، وأعني هنا مجموعة رجال الأعمال الذين صدعونا بالحديث عن الوطنية والدور الذي يلعبونه للنهوض بمصر من كبوتها، إحصائية بسيطة عن عدد المصانع التي شيدتها هذه المجموعة في السنوات السبع الأخيرة سوف نكتشف أنهم تحولوا إلى العمل في السمسرة بعد أن هربوا أموالهم إلى الخارج عقب أحداث يناير..
بعض هؤلاء يمتلكون نوافذ إعلامية كانت الدرع التي تحميهم في الحصول على مزايا بطرق غير مشروعة، وعندما فقدوا هذه المزايا بدأوا في تسريح العاملين بقنواتهم، وقلصوا أجور من أبقوا عليهم وتوقفوا عن إنتاج البرامج وشراء المسلسلات، لا لأن قنواتهم تخسر.. لكن لأنها لم تعد درعهم، فالقنوات تخسر منذ إنشائها، وهم أقروا ذلك عشرات المرات، ومع ذلك كانوا مستمرين في الإنفاق عليها.
يجلس أحدهم أمام الكاميرا ليتحدث عن دوره الوطني وكيف أنقذ الله مصر من الضياع، وأن السيسي يستحق أن نلتف حوله جميعًا، حتى إذا ذهبت الكاميرا وانفرد بمن حوله تراه شخصًا آخر لا علاقة له بالوطنية ولا بالسيسي ولا يعرف من الإنسانية سوى (طبطبة) على ظهر حسناء كان قد وعدها بفرصة عمل في قناته فجاءته مهرولة، إنها (الشيزوفرينيا) التي لا تبذل جهدًا في اكتشافها.
basher_hassan@hotmail.com