بلدوزر الإصلاح في أفريقيا
كان على موعد مع منصبه الجديد كرئيس للبلاد في نوفمبر من عام ٢٠١٥م بعد أن استطاع الحصول على ثقة الناخبين وفق حملة انتخابية وعد خلالها الشعب بمواجهة الفساد، وفي اليوم التالي لتوليه المسئولية كان في زيارة مفاجئة لأكبر مستشفى في عاصمة بلاده، فلما وجد المرضى يفترشون الأرض وتعطل جميع أجهزة المستشفى وسيطرة حالة من الإهمال وقع أول قراراته بإقالة جميع مسئولي المستشفى من كبيرهم إلى أصغرهم.
وبدأ "جون بومي ماجوفلي" رئيس تنزانيا معركته الحاسمة ضد الفساد فكانت من أول قراراته إقالة رئيس جهاز مكافحة الفساد بسبب تورطه في قضايا فساد.. أيام وطفحت على السطح قضية فساد ترتبط بتزوير شهادات دراسية وأسفرت التحقيقات التي أمر بها عن تورط عشرة آلاف موظف.. فصلهم جميعا من الخدمة دون رجعة ولم يكتف بذلك بل قام بنشر أسماء المزورين لاحتقارهم شعبيًّا وسط تعاطف وتأييد جماهيري ثم بدأ المعركة ضد الكبار.. أقال رئيس هيئة المواني ورئيس مصلحة الضرائب وعددا من علية القوم ولم يتوقف زحفه النبيل عند هذا الحد.
أصدر قرارًا بإلغاء احتفالية الاستقلال وتوفير نفقاتها لمواجهة داء الكوليرا الذي ينهش في السكان واختصر عددا من الوزارات إلى ١٩ وزارة بعد أن كانت ٣٠ وزارة وأعلن عن مفاجأته الجديدة.. مزاد علني لبيع جميع سيارات الحكومة ذات الدفع الرباعي واستبدالها بسيارات اقتصادية صغيرة وبعد مرور عام على تنصيبه فاجأ شعبه بمشاركتهم في حملة للنظافة واُلتقطت صور له وهو يجمع القمامة مثل أي مواطن.
أصدر قرارًا بالكشف عن أرصدة وممتلكات وزرائه على الفور، وعندما ظهر وزير داخليته وكان من المقربين إليه أمام البرلمان في حالة سكر أقاله على الفور دون تردد، كما منع جميع وزرائه وكبار المسئولين من السفر إلى الخارج دون إذن منه شخصيًّا وفي حالة الموافقة يحظر السفر على درجة رجال الأعمال، ويكون السفر على الدرجة العادية، وعندما قرر وفد من ٥٠ مسئولا حضور جلسات الكومنولث اختصر الوفد إلى سبعة مسئولين فقط.
"ماجوفلي" الحاصل على الدكتوراه في الكيمياء والذي عمل مدرسًا للثانوي العام وصل إلى محطة الرئاسة بعد مشوار حافل من الوعود التي يفي بها يومًا بعد يوم، حتى أطلقوا عليه "بلدوزر الإصلاح" بعد أن ظل متوافقًا مع وعوده، وعندما لاحظ الإسراف على الندوات والمؤتمرات الحكومية في الفنادق أصدر قرارًا بمنع عقدها أو إقامتها داخل الفنادق توفيرا للنفقات وتوجيه هذه المصروفات إلى قطاعات الصحة والتعليم وغيرها من مناحي الحياة التي تمس صالح المواطن.
لم يتوقف البلدوزر عند هذا الحد فعندما عرضت عليه ميزانية الاحتفال بافتتاح البرلمان الجديد ووجد أنها تتعدى الـ ١٠٠ ألف دولار اختصرها إلى سبعة آلاف دولار، وأحال الباقي إلى ميزانية الصحة لتوفير مستلزمات طبية يحتاج إليها المواطن العادي، واستجاب لنداء رجال الأعمال الذين طالبوه بمواجهة حقيقية للفساد في مفاصل الدولة لجذب رءوس الأموال الأجنبية التي كانت تهرب بسبب توحش الفساد في إدارات الدولة.
يسير بلدوزر الإصلاح محميًّا بشعبه، متصالحًا مع ذاته بعد أن ورث تركة عمرها عشرات السنين منذ الاستقلال عام ١٩٦١م، وبعد عصور من الاحتلال الإنجليزي والألماني ربما تركت في نفوس الناس يأسا حتى مجيء الرجل المعجزة لينهض ببلاده، ويقدم نموذجًا يحتذى به في محاربة الفساد الذي تصور البعض أنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من مفردات الحياة في تنزانيا..
أفريقيا تتغير وتنهض وتضع أقدامها على الطريق الصحيح بعد أن بات التداول السلمي للسلطة والاستقرار السياسي هما العنوان الاعرض في عدد كبير من بلادها.