رئيس التحرير
عصام كامل

الرفق بالحيوان.. بين الذاكرات المثقوبة وخلط الحابل بالنابل!


بحق ربما نكون- من التحقوا بالابتدائية منتصف السبعينيات وما بعدها- آخر جيل حصل على تعليم حقيقي حتى وهو في سنواته المتميزة الأخيرة.. علمونا كل شيء من احترام الصغير للكبير ورفق الكبير بالصغير وحقوق الوالدين وحقوق الأقارب والجيران والصدق والنظافة والنظام..


ثم أرادوا زرع الأخلاق والضمير والرحمة فينا كأطفال صغار فكانت دروس معاملة الفقراء والمحتاجين والضعفاء والمرضي.. وشيء آخر ينقل الإنسان -كإنسان- إلى دائرة أخرى هي دائرة التعامل مع جنس آخر غير جنسه.. وفيها يتجلي جنسه كإنسان خلقه الله وكلفه بالوعي وبالعقل.. وهو الفرق الأساسي بين الإنسان والحيوان..

فعلمونا الرفق بالحيوان، وكانت لها دروس عديدة بدأت بحظيرة منزل "عمر وأمل"، إلى العطف على الحيوانات الأليفة.. وقرأنا لأحمد شوقي أمير الشعراء قصيدة يقول فيها: "الحيوانُ خَلْقُ له عليْكَ حَقُّ، سَخَّرَه الله لكا وللعِبادِ قبلَكا" ثم انتقلنا إلى مرحلة أخرى علمونا فيها رأي الدين في الأمر.. ففهمنا أن الحلال لنا هو "بهيمة الأنعام"..

وعرفنا أن منها الإبل والبقر والماعز والضأن وغيرها، وأن المحرم علينا هو كما نقل ابن عباس عن الرسول عليه الصلاة والسلام "كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير"، وعلمونا أن من المحرمات الكلاب والقطط وما شابههما، ثم جاءت الأمثلة لنتعلم ونقلد فكانت قصة المرأة التي دخلت النار لأنها عذبت قطة.. لم تضربها ولم تحرقها ولم تقتلها ولم تسلخها.. إنما فقط حبستها.. فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها!

ومعها قصة الرجل الذي الذي سقي الكلب فدخل الجنة.. ثم قصص عن وفاء الكلاب وعن اقتناء القطط في البيوت.. وعندما كبرنا كانت برامج التليفزيون والإذاعة وكلام عن أمراض تنقلها القطط وطرق العلاج.. وقصص عن وفاء الكلاب وتصدي بعضهم للصوص وإنقاذ أصحابها.. وكانت الصور الجميلة على الشاشة وفي الواقع عن أنواع الكلاب وطرق اقتنائها والكلاب البوليسية..

ثم نوادر عن كتاب وأدباء كتبوا عن عجائب بلاد تأكل القطط والكلاب والفئران.. وكان كله محل استهجان واستنكار بل وقرف عموم الشعب المصري!!

فجأة.. انقلب البعض على كل ذلك.. وكأن داء أكل ذاكرتهم فلم يعودوا يتذكرون شيئا.. وكأن عاصفة اقتلعت من رؤوسهم كل درس وكل ذكري وكل عبرة تعلموها في الصغر!.. وتراهم يخلطون الحابل بالنابل.. أنت مع بيع القطط والكلاب لتشوي وتسلخ في الخارج؟ يردون بأن فلان عقره كلب!.. لا يعنيهم نظرة العالم لنا وقد أصبح الموضوع مسخرة في صحف العالم.. حتى من باب العائد الذي لن يزيد على عائد نصف يوم جمارك لميناء واحد من الموانئ المصرية..

وبيطريون مصريون يعملون في أوروبا يصرخون ويطالبون بالكف عن هذا العبث وأن طرق التخلص من الحيوانات المؤذية تتم بطرق علمية ورحيمة ليس منها القتل الجماعي.. الذي نهي عنه الإسلام من شيوخ الوهابية أنفسهم خصوصا الشيخين ابن باز وابن عثيمين إلى شيوخ الأزهر إلى دار الإفتاء إلى الشيخ أحمد كريمة أمس، وقال "أكل الكلاب والقطط حرام شرعا وتصديرها معصية"!

ما الذي جري؟ وما سر الإصرار على الخطأ؟ والاستكبار على الاعتراف بالحق؟ كيف صارت البديهيات عرضة لكل هذا الجدال؟! وأين تعلم هؤلاء في المرحلتين الابتدائية والإعدادية؟ وأين ذهبت ذاكرتهم؟ بل أين هي عقولهم من الأساس؟!.
الجريدة الرسمية