«النار لا تضر الأبرياء».. «فيتو» داخل قبيلة العيايدة آخر أرباب «البشعة» في الشرقية.. إعلانات وأرقام تليفونات على جدران الحوائط والكباري.. أستاذ اجتماع: دجل ورجعية (فيديو
في المجتمعات البدوية والمحافظات ذات الطبيعة الصحراوية، تجد التعامل معها منتشرا، ويلجئون إليها للفصل في قضاياهم دون الاضطرار للمثول أمام منصات العدالة والتحقيق، هذا ما يحدث في محافظات الجنوب، حيث تعتبر «البشعة» من الموروثات لدى أبناء الصعيد والبدو بمختلف أماكنهم وتجمعاتهم.
ففي الآونة الأخيرة ظهرت بشكل كبير أرقام تليفونات وعناوين مخطوطة على جدران الحوائط وأعمدة الكباري في محافظات وجه بحري، خاصة محافظة الشرقية، المعروف عنها وجود البدو في بعض مناطقها بأعداد كبيرة.
البيضة والحجر
حتى وقتنا هذا، الكثير من فئة الشباب لم يسمعوا عن البشعة باعتبارها أقدم جهاز لكشف الكذب، وقلما تجد من يربط بينها وبين المشهد الشهير للفنان الراحل أحمد زكي في فيلم (البيضة والحجر)، وجسد دور المبشع وقتئذ أحمد زكي عندما أتى بسكين، قارئًا عليها بعض التعاويذ، قائلًا بصوت فخيم: «سكينة البيان هاتقطع لسان اللي سرق وخان»، معتمدًا على الخوف والترهيب، لتخرج السارقة معترفة بجريمتها قبل «لحس» السكين.
دجل ورجعية
هذا ما يحدث بالضبط مع البشعة، وفقًا لما كشفه سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن المجتمع المصري شبه بدائي برغم التكنولوجيا المتطورة التي وصلت إلينا، البشعة ظهرت للمرة الأولى في المجتمع البدوي وما زال البعض يعمل بها حتى الآن، بسبب العادات الرجعية التي يتبعها البعض في القرى الريفية والمناطق البدوية.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن كل ذلك أكاذيب مثل الوسائل التي تتبعها النساء من أجل الحمل، فجميعها وجه من أوجه الدجل والنصب واستغلال جهل المواطنين من أجل استمرار تلك الأفكار، لكن لا فائدة منها على الإطلاق.
قبيلة العيايدة
"فيتو" اقتحمت عالم البشعة بالشرقية بإحدى المناطق الجبلية الكائنة بطريق "أبو حماد -بلبيس"، ورصدنا وجود عدد من السيارات بشتى أنواعها وأحجامها وموديلاتها أمام منزل أحد شيوخ قبيلة عرب «العيايدة»، في بادئ الأمر رفض الرجل وجود محررنا بمجرد علمه بهويته الصحفية، إلا أنه بعد نقاش لإثبات حسن النية، بإلقاء الضوء على ظاهرة أصبح يلجأ إليها آلاف المواطنين حاليا، نظرا لسرعة أحكامها عن السير الرسمي أمام منصات القضاء أو الأقسام الشرطية، وافق على الدخول لمشاهدة الوضع على الطبيعة، والتقاط بعض الفيديوهات.
منزل المُبشع
عقب دخولنا المنزل رحب بنا جميع الحضور، حيث وجدنا 3 أشخاص ينتمون لعائلة واحدة، وبرفقتهم شاب عشريني ذو بشرة سمراء، نحيف متهم بسرقة ماكينة خاصة بعمه، وقام الشيخ المنتمي لقبيلة عرب «العيايدة» بتجهيز البشعة بإشعال كميات من الفحم، ووضع عليها قطعة حديدية تأخذ شكل «طاسة» حتى الاحمرار، ثم أقدم أحد أقارب الشاب على اصطحابه خارج المنزل والتحدث معه لبضع دقائق لتخويفه من مخاطر البشعة، وطلب منه الاعتراف بارتكابه الواقعة، إلا أن الأخير أصر على أنه بريء تماما، ثم حاول الشيخ مرة أخرى التحدث للشاب قبل خضوعه للمحكمة العرفية إلا أنه رد بابتسامة، قائلا: «والله يا شيخنا ما عملت حاجة، وأنا جاهز دلوقتي».
براءة
وهنا لقن المبشع الشاب القسم قبل أن يبشع وردد بعض الكلمات تتضمن أن «النار لا تضر الأبرياء»، وبعدها لحس المتهم الطاسة 3 مرات، ويتمضمض بالماء ويبصقه، وهنا لم تظهر على لسانه أي بقع، وبالتالي أصبح الشاب بريئا من التهمة الموجهة له، وهنأه الجميع.
تاريخ البشعة
وتاريخيا ترجع البشعة إلى القبائل العربية والبدو، التي لجأوا إليها حين ينتقل أمر ما أو مشكلة من القاضي العرفي إلى المبشع، وهو المسئول عن تسخين الحديدة المتوهجة بالنار لكل من المدعي والمدعى عليه للعقها، فإذا أصابت لسان أحدهما يصبح متهما، وإذا لم تضر بأحدهما وبلسانه، فهو بريء، وللمُبشع نفسه له صفات الصدق وعدم الكذب أبدا والتدين الشديد.
وتعتبر قبيلة العيايدة هي الوحيدة الباقية في الشرقية وسيناء والإسماعيلية التي تمارس البشعة دون غيرها، وتتوارثها ويلجأ إليها سكان الريف أو البدو، والآن الحضر ومن حق طرفي النزاع حضور اثنين شهود أو اثنين لاستكمال باقي الإجراءات في خطوات البشعة.