رئيس التحرير
عصام كامل

«عمر» والاجتهاد في النص!


فرق كبير بين الاجتهاد مع النص والاجتهاد في النص، اذ أن الأولى توحي بالسعي لأحكام جديدة بينما الثانية تعني السعي لفهم مقاصد النص نفسه.. الذي من أجله أنزل.. وعلي هذا النهج ضرب أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" أروع الأمثلة في الجرأة على الاجتهاد، متحصنا بالنية الصادقة في الوصول إلى روح النصوص، وليس ظاهرها، مؤمنا أن هدف الشرع هو إسعاد الناس وراحتهم وليس عقابهم وتعذيبهم، وهكذا تكون شريعة رب العالمين!


المؤلفة قلوبهم واحدة من أشهر اجتهادات الفاروق "عمر"، والمؤلفة قلوبهم باختصار هي أقوام أو رموز القبائل ممن أعلنوا إسلامهم دون أدلة على استقرار الإيمان في قلوبهم، أو لم يعلنوا إسلامهم، وأراد الإسلام اتقاء شرهم أما بتشجيعهم على الإسلام أو تقريبهم منه أو وقف أذاهم عن المؤمنين به.

فكان لهم نصيب في أموال الزكاة مقرر حصرا من بين مصارف الزكاة، وهم بنص القرآن في الآية (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)، واستمر العمل بحكم الآية حتى وفاة الصديق "أبي بكر"، ثم تولي "عمر" الخلافة، وفي عهده كبرت الدولة الإسلامية وزادت قوتها فرأي أن الظرف تغيرت، ولم يعد الإسلام في حاجة إلى تأليف قلوب أحد.. فأغلب القبائل دخلت الإسلام كما أن الإسلام أصبح قويا، لا يخشى أي عداءات أو شرور من أي جهة فقرر وقف صرف نصيب هؤلاء!!

إذن نقف أمام نص قرآني صريح لم يمر على نزوله إلا سنوات قليلة، رأى "عمر" أن الزمن تغير ويجب أن يتغير العمل بالآية ولم يتهمه أحد بتغيير آيات الله، أو العمل على خلاف ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام!

سيقول البعض أن "عمر" لم يلغ ولم يوقف إنما الأسباب تغيرت.. ونقول نريد اتخاذ "عمر" أسوة حسنة ونقلده.. وسيقول البعض الآخر "عمر" لم يلغ ولم يوقف إنما فهم روح النص، ونقول لا نريد أكثر من ذلك.. أن نفهم روح النصوص ومقاصدها.. وسيقول فريق ثالث: إن هذا قاصر على خلفاء رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونقول بل قال الرسول نفسه: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم.. اهتديتم"!
رضوان الله عليهم جميعا!
الجريدة الرسمية