رئيس التحرير
عصام كامل

أفتوا.. فأضلوا


الحديث النبوي الشريف الذي يستند إليه "سعد الهلالي" في كل فتاواه وهو "استفتِ قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك".. قاله الرسول الكريم إجابة عن سؤالين لاثنين من الصحابة رضي الله عنهما من أصحاب النفوس الزكية الخالية من الأهواء والهواجس والميل والزيغ، ومن أصحاب القلوب الطاهرة المستنيرة، ومن أهل البصيرة، وهما الصحابي الجليل "أبا ثعلبة الخشني"، وهو من أهل بيعة الرضوان، الذين قال الله تعالى فيهم: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة".


والثاني، هو الصحابي الجليل "وابصة بن معبد الأسدي" الذي كان حريصا على أن يسأل عن طرق البر وطرق الإثم تحريا لدينه، وهذا الحديث ليس للعامة من المسلمين، ولا يجوز إطلاق حكمه على عامة المسلمين.. وإلا ما كان لقول الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

وأهل الذكر هم أهل القرآن، وهم أهل الله تعالى وخاصته، كما جاء في الحديث وهم الذين يعلمون كل ما يتعلق بالقرآن الكريم.. محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأمره ونهيه وتبشيره وزجره ووعده ووعيده وقصصه ومواعظه وعبره والأمثال المضروبة فيه، وأسباب نزول آياته وأحكامه وتعاليمه ومبتدأه، وما ختم به، وما نزل منه في مكة، وما نزل في المدينة المنورة.

هذا بالإضافة إلى أنوار بصائرهم وفهمهم للخطاب الرباني. إذا مسألة استفتاء القلب ليست للعامة ولكل من هب ودب ولكل من قرأ واطلع، وإنما هو قاصر على الأولياء والصالحين الذين تزكت أنفسهم وصفت قلوبهم واستنارت بنور الله تعالى، ومنحوا من الله تعالى الحكمة، ومعلوم أن الحكمة عطاء إلهي، وهبة ربانية قاصرة على أهل ولاية الله تعالى وخلصائه وصفوته من عباده.

يقول سبحانه: "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا".. ولقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إليهم في أكثر من حديث منها قوله: "اتق فراسة المؤمن".. أي المستكمل الإيمان والمتحقق بإيمانه صاحب عين البصيرة والفهم الرباني، وهو الفهم الذي أشار إليه عز وجل بقوله: "ففهمناها سليمان". 

وهو فهم بلا أدوات يفهم صاحبه من الله عن الله سبحانه.. فإنه يرى بنور الله.. وقوله في حديث آخر: "إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب".

هذا وفي تصانيف الأحاديث النبوية الشريفة نجد أن منها ما قاله صلى الله عليه وسلم لعامة المسلمين ومنه ما خص به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم البعض دون الآخرين ومنه ما كان ردا على مسألة سائل قاصرا عليه ولا يصح إطلاق حكمه على عامة المسلمين.

هذا وهناك مسألة هامة قد تغيب عن بعض أهل العلم وهي أن لكل حديث نبوي شريف ما يعرف بالمناسبة أي مناسبة الحديث وسبب قوله وهو ما يعادل أسباب نزول آيات القرآن الكريم، ولا بد لمن يتعرض للفتوى من الإلمام بهذا العلم حتى يضع كل حديث في نصابه ولا يخرجه عن مقصوده..

هذا ونلاحظ منذ أن ظهر سعد الدين الهلالي في الإعلام أنه يقلل من شأن العلماء وخاصة علماء أزهرنا الشريف ويقول عنهم إنهم كهنة الدين مع أنه ينتمي إليه. ونجده أيضا يحرض العامة على أن لا يرجعوا إلى أهل العلم في أخذ الفتوي والحكم منهم وأن يستفتوا قلوبهم في أمور دينهم، وقد غاب عنه أن لكل شيء أهل علم وتخصص وأن علوم الدين وأحكامه تؤخذ من أهله العالمين به وبأحكامه.

ويغيب عنه أيضا أن الأنفس البشرية تميل بطبعها للأهواء والراحة وما يرضي هواها، وإن كان مخالفا لدين الله تعالى وشريعته. وإذا ما استفتى أصحاب الأهواء والأنفس المريضة والقلوب العليلة أنفسهم كما أمرهم الهلالي سوف يقعوا في المخالفات والمعاصي ويعرضون أنفسهم للضياع والهلاك وهو بذلك يكن قد أضلهم. 

هذا وقد طالعنا سعد الهلالي منذ أيام على إحدى الفضائيات بفتوى خطيرة تتعارض مع نص قرآني صريح وحكم إلهي قاطع لا اجتهاد معه ولا رد له، ومعلوم لدى الجميع موضوع الفتوى وهو إقراره بالقانون التونسي الذي يساوي المرأة بالرجل في الميراث وهذا مخالف تماما لنص قرآني صريح، وحكمه قاطع، حيث يقول تعالى: "للذكر مثل حظ الأنثيين".. وأرى أن في فتواه جرأة على الله تعالى وأحكامه.
الجريدة الرسمية