رئيس التحرير
عصام كامل

صور من اجتهادات الفاروق «عمر»!


وامتدت فتوحات الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" بما لا يمكن تصديقه في هذه الفترة القليلة.. سنوات تفصل بين حروب الردة واتساع الدولة بهذا الشكل.. حتى يدخل المسلمون العراق.. بلد على أرض متصلة بالدولة لكنها مختلفة تماما.. هنا الزرع والنخل والشجر في كل مكان.. وعند الانتقال من صحراء شاسعة إلى هذه الخضرة الكبيرة لذا كان الفرق جليا وأدى ذلك إلى تسمية الأرض الجديدة بـ"السواد"!


صار لزاما على أمير المؤمنين أن يوزع الأرض على الفاتحين.. عندهم الأدلة كثيرة منها ما هو قرآن كريم صريح.. "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ"، والآية تُلزم بتوزيع غنائم الحرب -أي حـرب- على الفاتحين، أرض أو زرع أو بئر أو غنم أو منازل وبيوت..

فضلا عن دليل آخر من السنة النبوية الشريفة هو توزيع النبي عليه الصلاة والسلام كل غنائم خيبر على الفاتحين.. وكان ذلك التطبيق العملي للآية القرآنية السابقة.. فذهب بلال وعمرو بن العاص والزبير بن العوام وغيرهم إلى المطالبة بقسمة الأرض وقالوا أقسمه بيننا.. فقال لا أقسمها ثم قال: "فما لما جاء بعدكم؟"، وأضاف "لو قسمناها لمن حضر لم يكن لمن بعدهم شيء"!، أي إن أمير المؤمنين يرفض التقسيم كي تبقى الأرض وإنتاجها للأجيال المقبلة.. وهو ما اقتنع به كبار الصحابة ووافقوه عليه.. رغم أنه لو قسمها لكان له فيها نصيب كبير!

لم يقل واحد بعد ذلك أن عمر تجرأ على القرآن ولا تجرأ على السنة ولم يقولوا "لا اجتهاد مع النص"، أو أنه "يصنع دينا جديدا"!.. بل قالوا إنه فهم القرآن والسنة وأدرك الفرق بين الجائز والواجب وقيمة مصلحة المسلمين وكيف أنها معيار كل حكم ومقصد التشريع.. وكيف استدل بآية أخرى هي "مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ "، ومعنى "دولة" بضم الدال أي حتى لا يبقي المال متداولا بين أقليه منكم!، وكان يمكنه أن يفعل كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ويعفي نفسه من عناء الجدال والخلاف لكنه فكر.. واجتهد!

كان أمير المؤمنين نموذجا في الاجتهاد والتجديد رغم قرب العهد بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالتالي بوحي السماء.. لكن ولما لا وهو من قال عنه الرسول "لو كان نبيا بعدي لكان عمر"!
الجريدة الرسمية