رئيس التحرير
عصام كامل

شيزوفرينيا (1)


ماذا حدث للمصريين؟ نقول الشيء ونقيضه، نطرح الفكرة وننفذ أخرى، نطالب الناس بسلوكيات معينة ونفعل عكسها، ننشد المثالية ونحن الأبعد حتى عن الواقعية، ننادي بالحرية ونصنع الخوف، نقدح من كنا بالأمس نَمدحه، ونمدح من كنا نقدحه، نحب اليوم ونكره غدًا، نعرف الفاسد ونسجنه ثم ندفع به عسى أن يمثلنا في البرلمان..


نُظهر شيئًا ونُبطن آخر، نسأل عن الإعلام ودوره.. ونحن من هدمنا قواعده، نطالب الناس بربط بطونهم بأحزمة.. والبذخ مرض تمكن منا، ونطالبهم بالصبر ونحن في عجلة من أمرنا، ننتفض لكلب لا يجد مأوى.. ولا يحركنا طفل مشرد يتضور جوعًا، ننصح بتجنب الفتنة.. ونغرس بذرتها..

نفتي في الدين.. ولم نضبط ركعًا أو سجدًا، نتحدث عن الفضيلة.. وفي الخفاء نمارس الرذيلة، نهتف حبًا في الوطن.. ونهرب أموالنا خارجه، ندعي أننا رجال أعمال وصناعة.. ونمارس لعبة السمسرة..

ماذا حدث لنا؟ هل هي (الشيزوفرينيا) التي أصابتنا في الفكر والسلوك والإدراك والأحاسيس؟ أم أن ما نعيشه نتيجة طبيعية لأحداث متلاحقة مرت بها مصر وهو مرض أيضًا؟ وهل لاستمرار هذه الحالة أثر سلبًا على الوطن؟ لا نملك إلا الإجابة على السؤال الأخير، فالتحولات الموجودة في العالم كله والأخطار التي تحيط بمصر تحتم علينا وضع روشتة لعلاج سريع الفاعلية، حتى يكون العلاج مناسبًا لا بد من تشخيص صحيح، ولا تشخيص إلا بمعرفة الأعراض وهي كثيرة.

في الحياة السياسية اتهام بانفراد النظام بالقرار، رغم الأحزاب الكثيرة الموجودة في الساحة، وهو اتهام صحيح إذا تغافلنا عدد المرات التي طالب فيها السيسي كل من لديه حلًا لقضية أن يبادر بعرضه لمناقشته، وسوف يلتف الجميع حوله، بل أكد أنه شخصيًا سيكون خلفه، ونصح الأحزاب السياسية بالقيام بواجباتها تجاه الدولة، وفي المقدمة منها أحزاب المعارضة.

قد يسأل البعض.. وأين قنوات الاتصال بالرئيس خاصة أن الإعلام ربما لا يقبل وجودهم؟ وهنا أحيل السائل إلى المؤتمرات والمنتديات التي تنظمها الدولة ويحضرها شباب وشيوخ ممثلين لجميع الأحزاب، وهي المناسبات التي يطالب فيها الرئيس أصحاب الحلول بالجلوس إلى جواره، لماذا لا يقف ممثلو الأحزاب ويدلوا بدلوهم؟ وبعيدًا عن المؤتمرات والإعلام التقليدي فهناك وسائل أخرى للوصول إلى رأس الدولة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الصانع الأساسي لكل الأحداث.

نتحدث عن عقم أصاب الساحة السياسية ولدينا ٧٠ حزبًا تأسسوا بعد أحداث يناير، ليصبح عدد الأحزاب في مصر ٩٢ حزبًا، هذه الأحزاب لم نلمس لها دورًا يذكر وكأنها أصيبت بالخرس، أين رؤيتها وهي التي من المفترض أن تنافس على كرسي الرئاسة؟ حتى الحرية التي يتردد أنها غير موجودة..

على هذه الأحزاب أن تنتزعها، لكن ما حدث هو أن تعديل قانون الأحزاب الذي جعل تأسيس أي حزب بالإخطار جعل منها (سبوبة) فهناك عشرات الأحزاب لا نعرف لها اسمًا ولا مقرًا ولا نلمس لها دورًا، هي فقط لمجرد وجاهة شخص، أما شماعة الانفراد بالقرار فتحمل إساءة للأحزاب لا للنظام.

ومن الظواهر التي نراها أعراضًا للشيزوفرينيا هي تلك المتعلقة بتطوير الخطاب الديني، فلا أحد يعارض هذا المطلب، لكن أن يتقدم صفوف المطالبين شخصيات لم يضبطهم أحد ركعًا أو سجدًا ومع ذلك يوجدون على الشاشات ليل نهار يفتون في الدين.. فتلك مصيبة، لأنهم من ناحية غير مقنعين، ومن ناحية أخرى يستفزون أصحاب الاختصاص، هؤلاء اختلقوا أزمة مع الأزهر عندما تطاولوا على شيخه متوهمين أن خلافًا بين الرجل والرئيس..

وهذه فتنة لا بد من وأدها قبل أن تشتعل نيرانها، ولنترك التطوير لأهل الاختصاص، لا لمن يرتدون عباءة تتغير وفقًا للقضية المثارة إعلاميًا، فهذه هي أعراض الشيزوفرينيا التي تبعدنا عن المنطق وتخلق العشوائية وتقوض أي إنجاز.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية