رؤية مغايرة عن واقع مؤلم
في زيارته للقاهرة أستمتع بتحليلات الصديق الكاتب الصحفي "طاهر الشيخ" الذي وهب نفسه للقضية الفلسطينية منذ صباه حتى اليوم، حيث لازم المناضل الزعيم "ياسر عرفات" مصاحبًا له بقلمه، فأصبح واحدًا ممن يمتلكون تجربة إنسانية فريدة ولا يزال حتى تاريخه يقيم في تونس الشقيقة..
تحدث بعض الأصدقاء عن غلاء الأسعار في مصر وتراجع القوة الشرائية ومشكلات تآكل الطبقة المتوسطة. وكان "طاهر الشيخ" كعادته يطل من خلف نظارته وهو يتحدث عن عظمة مصر وقدرتها على مواجهة المخطط التآمري على المنطقة كلها.. قال "طاهر": الأسعار والإخفاق أو النجاح الاقتصادي كلها تفاصيل لا تساوي شيئًا بالقياس لما كان مخططًا له..
أنا أؤمن بالتفسير الإستراتيجي للأحداث.. تخيل لو أن جماعة الإخوان الإرهابية نجحت في الوصول إلى مفاصل الدولة المصرية وبقيت في الحكم كما كان مخططًا لها.
يرى الصديق "طاهر الشيخ" أن الصورة التي كان مقررا أن تكون عليها البلاد هي حالة اغتراب في الهوية التي صاغتها الحياة المصرية على مدى آلاف السنين، وأن هذا التغيير كان كفيلًا بوضع المنطقة كلها في دائرة الخطر من حيث التفريط في الثوابت التي بدا لنا من الوهلة الأولى أن جماعة الإخوان مستعدة لتقديمها عربون حكم مصر، سواء الثوابت الوطنية أو المسئوليات الإقليمية، وأبسط مثال على ذلك هو إعلان محمد مرسي الجهاد مع الإرهابيين ضد سوريا وضماناته التي قدمها للكيان الصهيوني.
القصة أكبر من فكرة الأسعار أو النجاح الاقتصادي أو حتى الفشل فيه، فهذه الأمور تحتمل الخلاف في وجهات النظر أما ضياع الأوطان فهو الكارثة المحققة، وما قام به الجيش المصري من دعم للمشروع الثوري المصري في ٣٠ يونيو هو المنقذ الحقيقي للمنطقة كلها وليس مصر فحسب..
وما يدور من حولنا وعلى حدودنا هو صورة مصغرة لما كانت ستؤول إليه المنطقة وليس مصر فحسب.
يتابع "طاهر الشيخ": أنا على مقربة من كافة أطياف العمل السياسي في تونس وما يجرى فيها عراك سياسي يرى البعض أنه غير ناضج ويرى آخرون أنه بداية الطريق الطويل لتجربة ديمقراطية قد تحقق أهدافها، ولكن الوضع في تونس غيره في مصر ربما لاختلافات في الأدوار الإقليمية، وربما لاختلافات في المحيط الجغرافي الذي يحدد كثيرا من ملامح التحرك حسب الجغرافيا السياسية لكل بلد.
الوضع في مصر كان لا بد من مواجهته إنقاذًا للأمة كلها، فجماعة الإخوان استطاعت خلال سنوات طويلة من النفاذ إلى دوائر غربية لايمكن تصور أنها تخطط لمباركة حركة استقلال حقيقية، فقد دفعت الجماعة مهر وصولها إلى سدة الحكم أو أصبحت قريبة من ذلك، ووصولها إلى مصر بمثابة خطر كبير نجح الشعب المصري في كشف تفاصيله مبكرا، وكان الجيش المصري هو الضمانة التي نفذت إرادة شعبية انطلقت في ٣٠ يونيو، وهذا هو الأهم من كل التفاصيل الأخرى.