«تكفير» الغزالي!
"لقد نجح بعض الفتيان في قلب شجرة التعاليم الإسلامية فجعلوا الفروع الخفيفة جذوعا أو جذورا وجعلوا الأصول المهمة أوراقا تتساقط مع الرياح!. وشرف الإسلام أنه يبني النفس على قاعدة "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"، وأنه يربط الاستخلاف في الأرض بمبدأ "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر"..
وأنا أتوجه إلى أمراء الجماعات الدينية الأكارم وإلى الأوصياء الكبار على تراث السلف أن يراجعوا أنفسهم كي يهتموا بأمرين: أولهما: زيادة التدبر لآيات القرآن الكريم. وآخرهما: توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا.. إن الصلف مع العلم رذيلة فكيف إذا كان الصلف مع عجز وقصور؟؟!".
السطور السابقة من مقدمة أحد أشهر وأهم وأجمل كتب الشيخ "محمد الغزالي"، والذي صدر أوائل التسعينيات وطبعت منه أربع عشرة طبعة في أسابيع واستمر الطبع بعدها حتى عام 2007، كلما طبع الناشر طبعة نفدت، ويضطر إلى طبع غيرها في ساعات لطلب القراء عليه بشكل ملفت..
تأملوا المقدمة السابقة وقد اتبعها الشيخ بقوله "وهذا الكتاب حصيلة تجارب كثيرة في ميدان الدعوة أردت به ترشيد الصحوة وشد أزر العاملين المخلصين أن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
كان الكتاب علامة بارزة في إعادة فهم السنة النبوية الشريفة وكيفية فهمها، وأنه ينبغي أولا استبعاد مع ما يتعارض مع القرآن منها لأنه قطعا ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم النظر في متن الأحاديث "أي نصها ومضمونها"، وليس في سلسلة رواة الأحاديث فقط مع شروط أخرى بعضها سبقه إليه غيره لكنه وضعها في سياق موضوعي وصاغها ببلاغة فائقة..
كان الكتاب صفعة على كل متطرف وللجماعات المتأسلمة تحديدا.. كما جاء في مقدمته لكنه فوجئ وفوجئنا ـ وكنا طلبة صغارا لا نعي القصة الحقيقية مثل الآن - بحملة عاتية من كل اتجاه.. السلفيون والإخوان والجماعة الإسلامية في المقدمة بلغ حد الهجوم عليه من البعض حدود مجنونة كادت أن تخرجه من الملة وربما أخرجته!
قرأنا الكتاب مرات.. وهو يستحق أن يقرأ من آن لآخر.. إلا أن الملفت أن الموضوع قديم لا يتعلق على الإطلاق بأمر سلطة وأمر معارضيها كما يريد البعض تصوير الأمر.. (فلم يكن الغزالي من السلطة بل كان بلغ من الكبر عتيا ولقي ربه بعد الكتاب بفترة ليست طويلة وكان من هو)..
إنما هي قصة بعض المتكسبين المتاجرين بالدين لا يريدون الزحزحة عن أماكنهم، والأخطر قوى أخرى لا تريد أي تقدم لهذه البلاد تريدها في تطرف دائم!