عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ!
الأحداث الدرامية الشاذة المتعددة والمتكررة في حياتنا، أصبحت نوعية وتثير تساؤلات عديدة، يأتي على رأسها سؤال يكرره السواد الأعظم في مجتمعنا المطحون، "هو في إيه؟"، ومع اختلاف وتنوع الأحداث، يظن البعض أن الأسباب مختلفة لكل حدث، ولكني أظن أن السبب واحد، رغم هذا التنوع وهذه المأساة، التي تسببت في أن يترحم الكثير منا على الماضي، بل يتمنى عودته، والسبب رغم كل ما حولنا من ظروف صعبة هو "نحن"!
حديثا، "نحن" جعلنا المجتمع نشازا، مثله مثل أغاني حمو بيكا ومجدي شطة، ولما لا وكلاهما نتاج مكونات المجتمع الذي نعيش فيه، فلا عجب أن يصبح هؤلاء الشباب، بكل ما يحملونه من صفات وسلوكيات، تستحي من رصدها الأقلام، نجوم ومشاهير ومنتجاتهم الشاذة، المحملة بكل كلمات ومعاني الفسق والفجور وانعدام الدين والأخلاق دون مانع أو رادع، تحقق أعلى نسبة استماع على ساوندكلاود وأسماؤهم تصبح تريند أول على محركات البحث في شبكة الإنترنت، نتيجة بحث بلد المائة مليون عن بيكا وشطة!
حديثا، "نحن" جعلنا المجتمع يعاني فقرا فكريا وانحرافا أخلاقيا لا مثيل لهما، فعندما يتسابق الكبير والصغير، للاشتراك في ماراثون إهانة الفلسطينيين واللاجئين والعرب جميعا، وكأنهم في مسابقة للقبح والبغاء، بعد رحلة البحث عن فضيحة، ردا على إساءة نائبة البرلمان الكويتي إلى مصر والمصريين وتهكمها على وزيرة الهجرة المصرية، فهو شيء يعبر عن مدى الفقر الأخلاقي الذي أصاب الكثير..
وتناسى الكثير منا أن حياتنا تحمل عورات وفضائح حقيقية كثيرة، لا يراها ولا يعلمها أحد غيرنا، نتيجة نعمة ستر الله علينا، وذهبنا نفتش عن عورات الناس حسب اعتقادتنا ونفضحهم حسب رغبتنا!
حديثا، "نحن" جعلنا المجتمع يعاني فصاما متقدما، يحتاج إلى علاج مدى الحياة، فكم من شيطان أصبح واعظا وكم من ذيل أصبح رأسا وكم من أحمق أصبح حكيما وفيلسوفا وكم من أشخاص تعيش في القبور وتصوم عن الزواج، لانعدام القدرة المادية، أصبحوا في زيادة لا تغفلها عين، في وقت أصبح يعيش غيرهم في القصور ويأكلون ما تشتهي أنفسهم ويعاشرون ما يطيب لهم من النساء!
حديثا، "نحن" جعلنا المجتمع لا يحكمه مبادئ وإن وجدت فهي مرنة وقابلة للتغيير حسب المصلحة، ومرونة المبادئ هي مفتاح كل خطيئة وسبب كل خراب، فالأصل في المبادئ صلابتها وعدم الانقسام حولها، ومع مرونة المبادئ، وجدنا الكثير يخلق المبررات وينسج ما يندرج وما لا يندرج تحت أي مبدأ، في نسيج تحكمه المصلحة والأنانية والطمع!
حديثا، "نحن" جعلنا المجتمع عشوائي مترهل مظلم، ولا يوجد فيه شيء منظم غير طبقاته الثلاثة، القادرين وغير القادرين وما بينهم!
القادر فيه، أصبح يعشق التباهي والتفاخر ويدعي التواضع ولكن سوء نيته وكذبه وطمعه غير المحدود، وشهواته غير القانعة، يدفعون به إلى الجريمة بكل أشكالها، أما غير القادر، فقد أصبح مكسورا عليلا هشا، ضعيفا أمام الكثير من أشكال الانحراف، التي تدفع به إلى الجريمة بكل أشكالها أيضا، وأصبح بين تلك الطبقتين، طبقة في المنتصف، تسأل "هو في إيه"، وتسعى ليلا نهارا وراء الرزق ولكنها سرعان ما تدخل في مجال إحدى الطبقتين!
ولأن الخير ما زال بيننا، أخشى أن تندثر هذه الطبقة وتتحول إلى إحدى طبقتي الشر، وأخيرا لا أملك إلا أن أكرر قول الله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" صدق الله العظيم..