رئيس التحرير
عصام كامل

الأمانة الخفية


منشور استوقفني عبر إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» نقلته نصا كي نتعايش مع كل ما يحمله من معان ربما كادت تتلاشى من حياتنا إلا من فئة ما زالت تأبى ما ليس من نصيبها، وتأبى أن تلوث بطونها وبطون أطفالها وأكبادهم بنيران المال الحرام.


يقول صاحب القصة وهو شاب من مركز كفر صقر بمحافظة الشرقية:

«فقدت اليوم مبلغ ٤١،٢٥٠ ألف جنيه كانوا في ظرف ورقي مع فحوصات وأشعة قلب عشان عملية قلب لوالدي، وكانوا جميعا في كيس بلاستيك وقع مني أثناء نقل والدي، ومعرفش أنا وقعوا مني في التاكسي ولا فين، واستمر بكائي لمدة ساعتين ودعائي، ربنا يعلم كل جنيه جمعناه إزاي، وفجأة لقيت رقم بيتصل عليا وبيسالني في حاجة وقعت مني، ساعتها اتولدت من جديد لما حسيت أن فيه أمل أن الفلوس ترجع وبعد ما تأكد أني صاحب الفلوس والورق..

اتفقت معاه انتظره عند السكة الحديد وفعلا بعد أقل من ساعة لقيته بيرن عليا ربنا يبارك فيه، شاب راكب عجلة وبعد ما تأكد تاني أني صاحب الفلوس سلمني الفلوس والأشعة ورفض يأخذ أي مبلغ مني، لدرجة أني عرضت عليه ألفين جنيه رفض بشدة، ربنا يكرمه وكنت مصمم أصوره رفض جدا، لكن أنا عرفت اسمه وقولت لازم الناس كلها تدعيله وتشكره، فعلا لسه الدنيا بخير».

انتهى المنشور عند هذا، وفتحت كلماته في أنفسنا باب أمل جديد في ضمائر طيبة تأبى ما ليس من حقها، وترفض البناء الزائل على أنقاض آلام وهموم الآخرين.

أداء الأمانة الخفية أعظم وأشق على النفس من مثيلتها المعلنة، والخفية هي المثال السابق لا يعلم بها أحد إلا الله، وهو الشاهد عليها فيبقى صاحبها متأرجحا متنازعا بين إرجاعها من عدمه، خاصة وهو يعلم أنه في أمان تام من أي ملاحقة أو مطالبة بها، ثم يحسم أمره متوكلا على ربه في سبيل فعل الخير وإدخال السعادة وفتح أبواب الأمل لآخرين فقدوا مالا أو متاعا وكادوا أن يفقدوا معه الرجاء في مجتمع صالح تشيع به ثقافة الخير والمعروف.

أما الأمانة المعلنة، فهي التي يعلم بها الجميع ولها شهود، فيكون محاصرا بين مطالبة الأداء بها من جهة صاحبها، وبين إشهاد الآخرين، وبين الملاحقات القانونية في حالة الرفض التام.

الأمانة الخفية تحدي مع النفس الأمارة بالسوء، ومع وساوس الشيطان، اللجوء والارتكان والاحتكام إلى الضمير في مواجهة أطماع الدنيا، في سبيل أداء الحق والعودة بالنفس إلى الفطرة السوية في واجب الفرد تجاه نفسه ومجتمعه.

هذا الرجل البسيط أدرك أن هذا المال سيفسده ويفسد بيته وأولاده ومستقبله، فتشاور مع ضميره وآثر رؤية السعادة في عيون صاحب المال، وآثر الانتشاء بأحاسيس العزة والافتخار بما فعل، آثر النوم المطمئن بعدما أراح باله وقلبه من وساوس الشيطان على نفسه، فتحرر منها مسلما أمره إلى ربه بأن «من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر»، فعف وأصلح وأعطى النموذج والقدوة لغيره، لكي تسري في أوصال المجتمع قيمة الحذر الشديد من الحرام، وما يعقبه.

يقول مضمون الحديث النبوي الشريف: «من اقتطع مال امرئ بغير حق أٌدخل به النار ولو كان قضيبًا من أراك، أي عودا من السواك»، فاللهم أعنا على أداء الأمانات الخفية ولا تسلمنا إلى شيطان النفس والهوى.
الجريدة الرسمية