رئيس التحرير
عصام كامل

بين نقد التراث ونقضه


ثارت في الآونة الأخيرة العديد من الدعوات التي تدعو إلى تنقية كتب التراث ونقده، تماشيا مع روح العصر ومفاهيمه الحالية، بل إن البعض يطالب بانتهاج فقه جديد يساير العصر بعيدا عن التعصب للقديم، ومُسايرة ومواكبة مستجدات العصر ومستحدثاته، والحقيقة وبحكم كوني أزهريًا أعرف أن دعوات نقد التراث- ولا أقول نقضه والفرق بينهما لو تعلمون عظيم- قديمة منذ الأزل..


وعلى ما أعتقد أنها بدأت مع بداية عصر تدوين الحديث، إذ اعتنى علماؤه خصوصا علماء الجرح والتعديل بتنقية كتب الحديث مما علق بها من أخطاء وأوهام الرواة، كما اعتنوا بمتون الأحاديث، وعملوا على تنقيتها وتهذيبها مما علق بها من أمور، وتحملوا في سبيل ذلك الكثير والكثير من التبعات..

كما أنهم أيضا وهم بشر حدث منهم الكثير والكثير من الهفوات التي تداركها- ولا يزال- الذين من بعدهم من علماء بالرفض والتعديل، وهذا هو الواقع العلمي المشاهد، إذ إن النظريات العلمية يلغي بعضها بعضا، وعليه فإنني لا أستطيع تحميل هؤلاء العلماء الأجلاء مسئولية هذه الأخطاء، فقد اجتهدوا وبذلوا جهدهم في سبيل ذلك، وبالتالي فإن الدعوة إلى إعدام كتبهم أو إلى إلغائها غلو وتشدد..

فليس معنى ظهور المرض في الجسم ضرورة الاستئصال كما ينادي البعض، فهؤلاء العلماء قاموا ببذل الكثير من الجهد دفاعا عن السنة النبوية والزود عنها، وعليه فإنني أطالب علماء الأزهر الأجلاء بتفنيد هذه الشبه والرد عليها، حتى لا تتخذ مدخلا لضرب كتب الحديث والسنة النبوية في مقتل، إذن وكما يقول الفقهاء: "إن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال"، وأخشى أن تكون دعوات نقد التراث، مقدمة لنقض كتب الحديث، والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية