على هامش المنتدى
حدث جلل.. خمسة آلاف شاب وشابة على أرض السلام.. جاءوا من كل حدب وصوب يجتمعون.. يناقشون.. يجادلون.. يصيغون رؤية لعالم جديد، بعيدًا عن حروب يخطط لها الساسة ليصنعوا لهم مجدًا في كتب التاريخ على أنقاض أوطان وعلى جثث بشر لا ذنب لهم إلا أنهم عاشوا فترات الريبة التاريخية والريبة القيمية.. جاءوا إلى الحياة في فترات الانتقال بين حضارات ستسقط وأخرى ستقوم وما بين السقوط والقيام لا ثمن للضحايا.
منتدى شباب العالم الذي اجتذب إليه الآلاف من الحالمين بعالم خالٍ من الصراع والحروب والقتل والدمار.. رسالة سلام وحوار من أرض السلام.. المنتدى في حد ذاته محاولة إسهام حضاري قادرة على الفعل في زمن اللافعل حتى وإن كان هذا الفعل رهين ما يمكنك فعله في محيطك قبل الخروج إلى آفاق الدنيا الواسعة.. على أن أبهى ما فيه جرأة الطرح التي ساقها عدد من شباب العالم أمام الرئيس في سياق استفسارات نظن أنها كانت أجرأ من أطروحات كل الميديا المصرية.
على قارعة الطريق وقفت أنتظر سيارة ميكروباص للانتقال إلى خليج نعمة.. كانت سيارات المؤتمر متوفرة بكثرة وفق تنظيم باهر.. أنا أُفضل الانتقال بين الناس.. سألت سائق الميكروباص عن الأولاد والأحوال والمعيشة فكانت إجاباته أصدق من استفزاز السؤال الذي يتصور البعض أن إجابته معروفة.. قال الرجل بعفوية: "مش ولا بد".. الحال صعب.. سنوات تمضي ونحن في انتظار الفرج.. منذ غاب السائح عن أجمل مدن العالم والأمور صعبة للغاية.
على المقعد الخلفي كانت فتاة ثلاثينية تطالب السائق بأن يعيد إليها جنيهين من الخمسة المدفوعة.. السائق يتعلل "مفيش فكة" والفتاة متمسكة إلى أقصى درجة بالجنيهين.. يتطوع شاب بالسيارة ليحل المسألة بتقديم جنيهات من الفكة إلى السائق.. رجل خمسيني يجادل السائق حول قيمة الأجرة.. السائق يريدها موحدة بينما الرجل يراها على غير ذلك.. المشكلة بين السائق والخمسيني على جنيه.. جنيه واحد فقط لا غير!!
تقف السيارة على مقربة من خليج نعمة.. يطالبنا السائق بالنزول في الموقع الذي حدده مؤكدا أن الأمن لن يسمح له بالوقوف في مكان آخر.. سيطرة أمنية كانت مدهشة على كل شاردة وواردة ولما لا والمدينة تستضيف أكثر من سبعة آلاف من الخارج والداخل.. المقاهي والمطاعم والمحال خالية إلا من بعض المارة.. سكون لا تقطعه سوى أصوات سماعات تحاول أن تصنع ضجيجا كان في الماضي ضجيج أقدام وزحام بشر جاءوا للاستمتاع بأبهى مناطق العالم.
"تيتو" شاب مصري يعمل بأحد مقاهي خليج نعمة.. يبذل مجهودا خرافيا لاجتذاب القلة المارة من أمامه.. لم يكن هناك غيري من نجح تيتو في اجتذابه.. جلست وحيدًا في مقهى يتسع للعشرات.. قال لي تيتو: الكثير من البازارات والمحال أغلقت بعد أن وصلت الأحوال إلى مرحلة قاسية من الفراغ.. شاشة كبيرة تعرض بعض لقطات لملهم الشباب محمد صلاح ومقاعد وفيرة بلا ناس.. أربعة من الشباب إضافة إلى عدد يقاربهم بالداخل يسألونني عن طلباتي.. طلبت كوبا من الشاي الأخضر!!
شمالا وجنوبا.. شرقا وغربا أتجول دون أن أصطدم إلا بقليل من السائحين المبعثرين في الخليج تتلقفهم الأيادي وتوجه إليهم الدعوات وهم على حالهم من التمنع والرفض والعزوف.. صورة لم أرَها في كل رحلاتي السابقة إلى شرم الشيخ مدينتي المحببة.. فنادق غيرت نشاطها وأخرى أغلقت أبوابها ومنتجعات سرحت عمالتها ومطاعم كتب عليها للبيع وأخرى لا يزال الصمت هو الزائر الوحيد!!
سائق التاكسي طلب مائة جنيه لينقلني من خليج نعمة إلى منطقة نبق.. عندما لاحظ الرجل علامات الدهشة تعلو وجهي قال: أنت في القاهرة تشرب من صنبور المياه وتستحم بأرخص الأسعار وتأكل وتشرب أقل مني بكثير.. أنا هنا أشرب مياها معدنية وأستحم بمبلغ وقدره وأشترى الخضار بضعف ما تشتري.. قبل أن يستطرد الرجل قلت له سأعطيك مائة وعشرين جنيها دون أن تسرد لي من المآسي ما يجعلني أمنحك كل ما لديَّ من مال!!
سألت شابا في المنتجع الذي أقمت فيه عن أحوال السياحة قال: قبل المؤتمر بقليل "كانت بتندع" وهو تعبير شعبي يوحي بأن حركة سياحية كانت في سبيلها للقدوم.. العاملون هنا ينتظرون إجازات رأس السنة بفارغ الصبر.. ربما تحمل لهم أملا في العودة مرة أخرى إلى التشغيل والرواج.. حال المدينة التي كانت عامرة لم يعد عامرا!