أسرار مرض السكر.. الوقاية والعلاج
لقد أصبح واحد من كل خمسة بالغين في مصر مصابًا بمرض السكر، واثنان آخران من كل خمسة على استعداد للإصابة بالسكر.. ويتساءل الكثيرون كيف يصاب الإنسان بمرض السكر؟
وحتى زمن قريب جدًّا لم يكن ذلك واضحًا لنا مثل وضوحه الآن.. ويتساءل أيضًا الكثيرون هل يمكن أن يشفى المصاب بالسكر من النوع الثاني من مرضه تمامًا؟ والسؤال الثالث والأهم هو ما التوقيت المناسب للتدخل للوقاية من مرض السكر أو علاجه إذا رغب الشخص في الشفاء منه؟
أصبح واضحًا لنا أن الطريق لمرض السكر يبدأ عادة عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ للمرض في أقرباء الدرجة الأولى، وذلك عند زيادتهم الطفيفة في الوزن والتي عادة ما تحدث في بداية الثلاثينيات من العمر، وزيادة الوزن الطفيفة يصاحبها زيادة حاجة الجسم للسكر كمصدر للطاقة مما ينتج عنه زيادة في إفراز الأنسولين من غدة البنكرياس، فالأنسولين هو مفتاح دخول السكر كطاقة لجميع خلايا الجسم.
ولكن زيادة إفراز الأنسولين تسرع بدورها في زيادة الوزن فالأنسولين هرمون نمو، فتبدأ أولى المشكلات لأن زيادة الوزن السريعة تصاحبها زيادة في تجمع الدهون في منطقة الخصر، والتي تفرز بدورها العديد من مسببات الالتهاب نسميها في المجموع السيتوكاينز cytokines والتي تؤدي إلى مقاومة الجسم للأنسولين. وتستمر الحلقة المغلقة فالبنكرياس يضاعف من إفرازه والجسم يزيد في مقاومته ويزداد أكثر في الوزن.
وعند وصول مقاومة الأنسولين للحد الأقصى يبدأ الدهن الداخلي في منطقة الخصر في الخروج من سيطرة الأنسولين، فيطلق وابلًا من الأحماض الدهنية إلى الدم والتي تُسَبب ما نسميه الآن بالتسمم الدهنى lipotoxicity والذي يشل قدرة البنكرياس على إفراز الأنسولين، فيبدأ في خفض إفرازه وقتيًّا مما يؤدي إلى ارتفاع السكر في الدم، ويؤدي ذلك بدوره إلى تسمم آخر من ارتفاع السكر glucose toxicity يؤدي أيضا لتدهور جديد في قدرة البنكرياس على إفراز الأنسولين.
فالتدخل هنا قد يعرقل الطريق إلى حدوث المرض لأن استمرار هذا التسمم الدهني والسكري يؤدي في سنوات قليلة إلى ضمور شديد في خلايا البنكرياس المُفرزه للأنسولين، وظهور وتطور مرض السكر. ومحاولات تنبيه هذه الخلايا ببعض الأدوية أو محاولات زيادة حساسية الجسم بأدوية أخرى قد ينجح لعدة سنوات معدودة يفشل بعدها البنكرياس تمامًا عن إفراز كمية كافية من الأنسولين للاستفادة من طاقة السكر.
فيعالج الشخص المصاب عند ذلك بالأنسولين. وخلال هذه السنوات تبدأ مضاعفات السكر وتتطور بسرعة كبيرة خاصة ضيق الشرايين الذي قد يؤدي إلى جلطات القلب أو المخ وضيق شرايين الأطراف.. ولقد وجدت في أبحاثي أن خفض الوزن بنسبة ٧٪ تزيد من حساسية الجسم للأنسولين بنسبة ٥٧٪ وتخفض كمية دهن تجويف البطن وكمية السيتوكاينز المفرزة منه فيقل الالتهاب وتزداد كفاءة عمل البنكرياس.
وإذا تم هذا الخفض في الوزن عند بداية ظهور الاستعداد للإصابة بالسكر (ومؤشراتها الزيادة السريعة في الوزن وزيادة محيط الخصر وزيادة إفراز الأنسولين وزيادة مؤشر السكر التراكمي A1C عن 7،5٪) فقد يؤدي ذلك إلى خفض احتمال الإصابة بالسكر بنسبة ٥٨٪. كما أثبتت أبحاثنا أخيرًا أن هذا الخفض في الوزن بنفس القدر ربما يؤدي إلى الشفاء التام من السكر إذا تم في خلال السنوات الخمس الأولى لتشخيص المرض خاصة إذا حافظ الشخص على نفس النسبة من انخفاض الوزن فيما بين ٧-١٠٪. كما اتضح مساعدة بعض الأدوية في خفض الوزن والتخلص من التسمم السكري.
وتستمر الأبحاث لتوضح لنا نوعية الغذاء بدقة ونوعية الرياضة وزمنها ونوعيتها بدقة شديدة للحصول على أكبر تأثير على مرض السكر ولهذا حديث آخر. ما زلنا نبحث الآن عن بعض العلامات والقياسات التي تحدد بدقة الوقت المناسب للتدخل، ولكن ما نعرفه الآن أن نوعيات معينة من الحمية الغذائية وفترات ونوعيات معينة من الرياضة قد تقلب هذا المرض رأسًا على عقب، وقد تُمَكِن المريض من الشفاء التام منه.. اللهم اشف مرضانا.. فمن عرف مرضه نجح علاجه.