رئيس التحرير
عصام كامل

السيسي ونادية ومنتدى الشباب


نقاط التلاقي في منتدى شباب العالم كثيرة، ولعل أبرزها تلك النقطة التي تلاقت فيها أوجاع وأمنيات الفتاة الأيزيدية "نادية مراد" مع طموحات وأحلام الرئيس السيسي، "نادية" التي تذوقت مرار الإرهاب واكتوت بنيرانه.. تشكو حالها لرئيس جعل من حربه على الإرهاب أهم أولوياته، وطموحه الأكبر اقتلاعه من جذوره.


فتاة تبحث عن أمان تفتقده، ورئيس يحلم بسلام يعم العالم، فتاة تصرخ في المحافل الدولية لتجريم ما ارتكبته داعش في حقها.. ورئيس لا يجرم فقط أفعال الإرهاب بكل مسمايته.. لكنه جرم أيضًا من يموله ومن يأويه، "نادية" ترجو الجميع أن يثأروا لها من داعش.. والسيسي يقدم للعالم روشتة الثأر والقضاء على داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، "نادية" تبحث عن يد تطبطب عليها وآذان تصغى إليها.. والسيسي بكى وهو يستمع إلى تجربتها مع من اغتصبوا أرضها وجسدها، "نادية" التي لا تستطيع.. أصرت على حضور المنتدى لتلتقي السيسي الذي يستطيع.

"نادية مراد" حالة إنسانية لكنها تجسد واقعًا عربيًا مأزومًا، وتعكس ردود فعل عالمية متراخية، وما تعقد من أجله القمم العربية والدولية.. وما يقال في المحافل، وما يبثه الإعلام، وما يتحدث فيه المحللون، وما تلوكه ألسنة الشعوب، وما تنشغل به الحكومات، ما هو إلا تجسيد لحالة الفتاة الأيزيدية، نتحدث عن سبايا تنظيم داعش واغتصابه للفتيات.

و"نادية" كانت واحدة منهن، نتحدث عن جرائم القتل والتمثيل بالجثث.. وقد رأت نادية أهلها يقتلون على أيدي داعش، نتحدث عن التخريب والتدمير.. وقد رأت الفتاة منازل عائلتها تهدم على من فيها، نتحدث عن اغتصاب الأوطان وتشريد وتهجير المواطنين.. وقد تشرد بعض أفراد أسرتها وتم تهجير البعض الآخر، نتحدث عن إعادة الحقوق لأصحابها.. وها هي تجوب العالم بحثًا عن حقوقها، نتحدث عن أمان وسلام يعم العالم.

فازت "نادية" بجائزة نوبل للسلام بعد أن جعلت من مأساتها قضيتها الأهم، نتحدث عن حقوق الأقليات.. وهي لا تدخر جهدًا في الدفاع عن حقوق أبناء ديانتها، نتحدث عن إعادة بناء ما دمره الإرهاب.. ونراها تحث العالم على تعمير ما تم تدميره، نتحدث عن حرية الاعتقاد وتطوير الخطاب الديني.. وهي تطالب بحماية ديانتها من المتطرفين، نتحدث عن مساعدة الدول الغنية لإعادة بناء الدول التي طالها الإرهاب.. ونراها تطالب بالشيء نفسه في الأمم المتحدة.

حالة "نادية مراد" كانت حاضرة في منتدى شباب العالم، فلم تخل جلسة من الحديث عن الإرهاب والحرب عليه وطرق الوقاية منه وإعادة بناء الدول التي دمرها وحماية الشباب من أفكاره، أما كلمات "نادية" في حفل افتتاح المنتدى فكانت نقطة تلاقي أخرى مع مداخلات الرئيس السيسي في الجلسات، حيث شدد على أهمية التآخي والعيش المشترك باعتبارهما أساس السلام الاجتماعي، وطالب بتطوير الخطاب الديني لأن ما كان يصلح من ألف عام ربما لا يصلح بعضه الآن.

فالتطوير ينعكس على حرية الاعتقاد، وضرب نموذجًا بمصر التي أفرجت عن قانون بناء دور العبادة لينعم المسلم والمسيحي بأداء شعائر ديانته، وأكد أن مصر لم تكن تتردد في بناء دور عبادة لليهود لو كان بها يهودًا، وأشار إلى أن منطقة الدين فيها أكبر كم من الضحايا واللاجئين، كما انتقد الرئيس المعايير المزدوجة في التعاطي مع القضايا لأن ذلك يشكل اختراقًا للقانون الدولي، وطالب الدول الغنية بالمساهمة في إعادة بناء الدول الفقيرة التي نال منها الإرهاب.

القصة الإنسانية التي صار طرفاها الرئيس السيسي والفتاة الأيزيدية "نادية مراد" بدأت منذ ثلاث سنوات، عندما أنصت إليها وزرع بداخلها الأمل بثلاث كلمات لن تنساها (الشر عمره ما ينتصر) بعدها جابت "نادية" العالم، تحكي مأساتها كممثل للأيزيديين في الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام العالمية، وبعد فوزها بجائزة نوبل تابعت لقاءاتها في وسائل الإعلام العالمية، وفيها تحدثت عن لقائها بالرئيس السيسي والطمأنينة التي شعرت بها عندما تحدثت معه.

واستمعت إلى "نادية" وهي تشكو في محطات التليفزيون العالمية من أن كل رؤساء العالم رفضوا الاستجابة لمطلبها، باعتبار ما ارتكبه تنظيم داعش في حق الأيزيديين جريمة حرب، حتى الأمم المتحدة رفضت الاستجابة لمطلبها، وها هي "نادية مراد" تأتي إلى مصر مرة ثانية من خلال منتدى الشباب، لتذكر الرئيس بكلماته الثلاث لها (الشر عمره ما ينتصر)، ثم تشكو من عدم تجريم أي من رؤساء العالم لما ارتكبه تنظيم داعش في حقها وأهلها، ليبادرها الرئيس السيسي بإعلانه تجريم ما تعرض له الأيزيديين، وتلك نقطة تلاقي أخرى في قصة إنسانية طرفاها نادية والرئيس.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية