العشرة الطيبة
تعلمت من أبي وأمي رحمهما الله، أن الجيرة الطيبة والعشرة الحسنة، تهون الكثير من الصعاب التي ربما يواجهها الإنسان في محل سكنه بل ومحل عمله أحيانا، فدور الجار لا يكون فقط في الأمور المشتركة ماليا وإداريا، بل أيضا في الشدائد والأزمات فالمثل يقول دائما: «اختار الجار قبل الدار»، وبما أنه يصعب ذلك هذه الأيام فيمكن تعديل المثل (عاشر الجار ثم قرر أو لا تقرر البقاء في الدار)، وهو ما تدعمه الأيام والعشرة الحسنة.
الجسد الواحد المتماسك المتعاضد لا يقدر كائن مهما كان على النخر فيه أو هزيمته، ولا يمكن لأى فيروس طارئ أن يهدد وحدة وسلامة هذا الجسد، طالما كانت الوقاية خيرا من العلاج، وطالما كان هناك مبدأ سار وهو «ما لا تقبله على نفسك لا تقبله على غيرك».
بطبيعة الحال في كل مكان الصالح وغير الصالح أو ربما المتكاسل المتخاذل ولكن في حال الشدائد ينفض المتكاسل الغبار عن نفسه منضما إلى القافلة الإيجابية في خدمة جيرانه.
أمر طارئ تعرض له العقار الذي أقطن به، وهو ما استلزم وحدة وتكاتف من السكان جميعا لإصلاح هذا الأمر الطارئ في أسرع وقت، وإعادة الأمور لنصابها الصحيح.
وبالفعل جلسنا مع أكبرنا سنا وعقلا وحكمة، وكونا منا مجلسا أقرب إلى مجالس الحكماء، كى يدلى كل منا بدلوه في هذه المشكلة، وكى نخرج بقرار نهائي لعلاجها بشكل يحفظ سلامة العقار، وهو ما يقترب بتلك المشكلة إلى الحل القريب.
لم أشعر بينهم بأى غربة وصدقت كلمة أمى (الجيران لبعضها) فنحن في قارب واحد، وجدران واحدة تحمل هموما مشتركة، وأملا في تحسين وتجميل بيئتنا.
لم ينس كل منا للآخر موقفا طيبا أو شد أزر، أو معاودة في مرض، أو مشاركة في فرحة، أو حمل جنازة، نتذكر دائما وفى عقولنا وقلوبنا أننا مهما حالت بيننا المشاغل والصعاب، فدوما الكتف في الكتف، يسعف بعضنا البعض في أحلك الأوقات، ويكفى واحدا منا في المكان للذود عنه في غياب الباقين.
احترام الجار من أولويات المعيشة الهادئة بلا صخب، والتداخل المفرط في العلاقات الأسرية وإفشاء الأسرار أمر غير محمود، ينتج عنه الضرر والقيل والقال، وفعليا علمت أولادى أن الجار والجارة بمثابة العم والخالة له كل التوقير والاحترام، له على حق الاغاثة والعون ولى عليه مثله، له على حق السؤال عنه ولى عليه مثله، له على حق احترام الخصوصية ولى عليه مثله.
عاش أبى وأمى في محل سكنهما ما يقرب من 45 عاما وطالما كانت السمعة المميزة عنهما كلمة (في حالهم)، وهو ما ابثه في أبنائي أن يكونوا متفاعلين في حل مشكلات سكنهم، لكن أيضا في حالهم، بالصيام عن الغيبة والنميمة وذكر العيوب وإفشاء الأسرار.
الجار أقرب من العائلة، وهو السند الحاضر في أغلب بيوت مصر، فسلاما لكل من جمعتهم جدران المحبة، على حب الغير، وحب الخير للغير.