رئيس التحرير
عصام كامل

مصر والسعودية بعد خاشقجي!


ليست هي المرة الأولى ولن تكون أيضا المرة الأخيرة، التي يثور فيها تساؤل حول العلاقات المصرية السعودية.. فإن العلاقات بين الدول حتى الذين تجمع بينهم الكثير من الروابط تحتاج دوما لرعاية مستمرة تقيها من المشكلات والأزمات وتجنبها التأثير السلبي لبعض الأحداث والتطورات.. وهذا ينطبق أيضا على العلاقات بين مصر والسعودية وأيضًا أية دولة عربية أخرى.. ولذلك ليس مفاجئا أن تثور أسئلة حول مسار ومستقبل هذه العلاقات أحيانا، خاصة وأن هناك من يتربصون بعلاقات مصر وشقيقاتها العربيات ويسعون إلى تخريب هذه العلاقات..


هذا حدث من قبل في علاقات مصر والجزائر، وحدث أيضا في علاقات مصر والسودان، وحدث كذلك في علاقات مصر وسوريا، مثلما حدث أيضا بالنسبة لعلاقات مصر والسعودية.. لكن هذه المرة لا يثور التساؤل حول مسار ومستقبل العلاقات المصرية السعودية نتيجة حدوث تغير سياسي أو في الحكم، كما حدث في بداية تولى الملك سلمان حكم بلاده، ثم صعود ابنه الأمير محمد إلى موقع ولى العهد، كما حدث من قبل في حينه..

وإنما يثور هذا التساؤل حول مسار ومستقبل العلاقات المصرية السعودية في أعقاب الحادث الذي وصفه ولى العهد السعودي بالبشع، وهو حادث مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجى في قنصلية بلاده بتركيا، والذي كانت له وما زالت تداعيات كثيرة في العالم وليس في منطقتنا وحدها.

فقد قراء البعض هذه التداعيات بطريقة دفعته لطرح هذا السؤال المتعلق بالعلاقات المصرية السعودية، رغم أنه لا يوجد مؤشر واحد يشى بحدوث تغير في مسار هذه العلاقة. فهناك من رأوا أن السعودية رغم اعترافها بمقتل خاشقجى داخل القنصلية السعودية في تركيا، وقيامها بفتح تحقيق في الحادث وتوقيفها نحو ثمانية عشر متهما، وإقالة عدد من كبار المسئولين السعوديين سواء في جهاز المخابرات أو الديوان الملكى، فإن ذلك لم يجنبها الضغوط الدولية والإقليمية، والتي وصلت ذروتها في إعلان الرئيس الامريكى ترامب أن ما أعلنته السعودية بخصوص مقتل خاشقجى ليس مقنعا بالقدر الكافى..

وأيضًا مطالبة الرئيس التركى المسئولين السعوديين بالكشف عن المتعاون المحلى الذي قيل إنه تسلم جثة خاشقجى لإخفائها، وذلك للعثور على هذه الجثة، وايضًا الكشف عمن أعطى الأوامر باستدعاء خاشقجى إلى قنصلية بلاده في إسطنبول.. وبالطبع من يمارس الضغوط يسعى عادة لجنى مكاسب.. 

وقيل وكتب وأذيع أنه فضلا عن المال فإن تركيا وقبلها أمريكا يهمهما إنهاء الأزمة القطرية مع المملكة العربية السعودية.. ويضاف أيضا إلى ما يهم تركيا بشكل خاص من السعودية أن تراجع المملكة موقفها من الإخوان.. وكلا الأمرين أن حدثا سوف يؤثران بالسلب على العلاقة المصرية السعودية..

وقد قرأ هؤلاء ما قاله الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودي في ختام مؤتمر دافوس الصحراء حول مستقبل الاقتصاد القطرى بأنها تشير إلى أن ما تنشده أمريكا وتركيا بخصوص قطر وأزمتها أمر وارد وليس مستبعدا في ظل تداعيات حادث مقتل خاشقجى الذي فتح الباب على مصراعيه لابتزاز السعودية وممارسة الضغوط عليها، وهو ما خشوا أن يترجم بتراجع العلاقات المصرية السعودية..

غير أن هؤلاء وغيرهم نسوا أن الحفاظ على علاقات طيبة وجيدة بين مصر والسعودية لا يمثل فقط حاجة لمصر التي تدرك ضرورة ذلك لتحقيق الأمن القومى العربى، وإنما هو يمثل أيضا حاجة للسعودية التي تدرك دور ومكانة مصر عربيا وفى محيطها الإقليمي، وأن ضعف مصر واهتزاز هذه المكانة من شأنه أن يضر المملكة ويلحق الأذى بها..

ولعل هذا يفسر ذلك الموقف الصارم الذي اتخذت الراحل الملك عبدالله عام ٢٠١٣، رفضا لفرض حصار دولى عليها بعد الإطاحة بحكم الإخوان.. إنه لم يكن فقط موقفا للتضامن مع مصر ومساندتها تقتضيه الروابط بين الأشقاء، وإنما كان أيضا موقفا يعد دفاعا عن المملكة أيضا التي لم تكن بعيدة عن الاستهداف والتآمر الذي كان يبغى أصحابه تقويض كيانات الدول الوطنية في منطقتنا العربية بعد تمكين الإخوان من حكمها، خاصة وأن الإخوان لا يعنيهم تمزيق أوصال الدول الوطنية وتقسيمها، طالما أنهم يسيطرون على الدويلات التي ستنقسم إليها.. ولنا في تجربة الانقسام الفلسطيني شاهدا حيّا ومثالا على ذلك.

وهكذا إذا كانت السعودية تحتاج إلى أن تحافظ على علاقة جيدة مع تركيا، وهى الحاجة التي زادت في ظل تداعيات حادث مصرع خاشقجى، فإنها تحتاج أيضا، بل قبل ذلك، لعلاقة جيدة مع مصر صاحبة الدور الذي لا يمكن التضحية به والمكانة التي لا يمكن تجاهلها.. وتزداد هذه الحاجة في ظل حالة الاستهداف الذي تتعرض له السعودية الآن بعد مصرع خاشقجى، الذي تحاول العديد من الدول والحكومات استثماره سياسيا..

وما زالت هناك حاجة متبادلة للحفاظ على علاقة طيبة بين دولتين، فإنها سيتم الحفاظ على هذه العلاقات قوية وجيدة، ولن يرى طرف أنه الأكثر استفادة من الأمر.. هذه قاعدة تحكم العلاقات بين كل الدول في العالم كله، حتى وإن كانت دولا شقيقة أو صديقة أو حليفة..

أما احتمال حل الأزمة القطرية وتحقيق مصالحة سعودية بصفة خاصة ومصالحة خليجية بصفة عامة معها، فإن القطريين أنفسهم يعطلون ذلك ويعرقلونه.. فبعد إشارة ولى العهد السعودي إلى المستقبل الطيب الذي ينتظر الاقتصاد القطرى في إطار رؤية ٢٠٣٠، فقد خرج وزير الخارجية القطرى ليقول إن حل هذه الأزمة القطرية مع دول الخليج مرهون باعتذارها لقطر ووقف ما أسماه حصارها لهم!

ويحدث ذلك في ذات الوقت الذي تشن فيه قناة الجزيرة القطرية هجوما على المملكة وعلى قيادتها.. وهذا يعنى أن قطر هي التي تعطل إنهاء مقاطعة الدول العربية الأربعة لها، ولذلك لم تستجب لطلبات هذه الدول التي تتلخص كلها في وقف دعم قطر للإرهاب وتمويله، ووقف التدخل في شئون غيرها من الدول العربية والتورط في مؤامرات لتغيير أنظمة الحكم فيها والسعى لتمكين الإخوان من حكم هذه الدول.

بقى القول إن موقف السعودية تجاه الإخوان ليس من قبيل المجاملة لمصر، وإنما هو موقف نابع من تجربة تعامل أفضت إلى اكتشاف أن تلك الجماعة عضت اليد التي سبق أن امتدت لها بالمساعدة.. أن الأشقاء في السعودية اكتشفوا حقيقة الإخوان إبان غزو صدام حسين للكويت، عندما أيدوا هذا الغزو، وهو ما دفع إخوان الكويت وقتها إلى الانسحاب من التنظيم الدولى للإخوان..

ومن يومها والأشقاء في السعودية بدأوا يراجعون موقفهم من جماعة الإخوان، وأخذوا يبحثون فيها ونواياها.. وبمرور الوقت زادت هذه الشكوك أكثر، حتى صارت المملكة تدرك خطر الإخوان ليس على عدد من الدول العربية، وإنما عليها أيضا، ولذلك اعتبرت الإخوان جماعة إرهابية بعد يونيو ٢٠١٣، الذي تكشفت خلاله وبعده تآمر الإخوان مع الأمريكان لإعادة صياغة خريطة منطقتنا العربية.

إذن ثمة أسبابا سعودية لاتخاذ ذلك الموقف تجاه الإخوان، مثلما هناك دوافع سعودية أيضا لهذا الموقف السعودي تجاه قطر.. ولذلك لم تفلح جهود الأمريكان في إنهاء الأزمة القطرية، مثلما لم تفلح جهود الأتراك في تغيير موقف السعودية من جماعة الإخوان.. وبذلك فإن العلاقات المصرية السعودية الجيدة يمكنها أن تقاوم تداعيات حادث خاشقجى.. خاصة إذا كان ثمة إدراكا على الجانبين المصري والسعودي بالحفاظ على قوة هذه العلاقات وحمايتها من محاولات النيل منها.
الجريدة الرسمية