مصر والزعامة الحقيقية يا سيد راشد!
حاول أمس الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد بمقاله في جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية وضع مفهوم للزعامة والدولة القائدة.. فتناول الدول الكبرى في المنطقة والتي حددها حصريا بالسعودية طبعا و"تركيا طبعين" وكل من إسرائيل وإيران!.. الراشد لم ير في مصر إلا حب الزعامة عند الزعيم جمال عبد الناصر والذي تسبب في انهياره هو نفسه كما يزعم الراشد.. وفي الختام يقول إن الزعامة بالنتيجة وليس بالقرار.. وراح يعدد إمكانيات وقدرات وسمات كل دولة من الدول السابقة!
ملحوظة أولى عابرة.. فرأيه في جمال عبد الناصر استقاه من بعض المصريين للأسف ممن شكلوا رأيهم في زعيم العرب من خصومه! فصدقوا فيه كلام الإخوان.. وكلام الأمريكان.. وكلام الإسرائيليين.. وكلام أمثال الراشد نفسه ممن دافعوا عن مصالح محددة.. محلية نيابة عن الإقطاعيين وكل من أضيروا من حكم الرجل.. أو إقليمية لكل من تأثروا بوجود الرجل!
وهؤلاء- في مسألة الزعامة تحديدا- يقولون الشيء وعكسه.. الأمر ونقيضه.. معتمدين على القدرات الضعيفة للبعض على الفرز والتحليل.. فعبد الناصر مثلا هو من منح الأشقاء في السودان حق تقرير المصير.. ولا يفعل ذلك من يريد الزعامة بالإكراه.. وهو من رفض التدخل لسحق الانفصال في سوريا.. وكان دستور دولة الوحدة يمنحه صلاحيات ذلك لكنه لم يفعل.. وقال إن السلاح العربي لا يرفع في وجه العربي! ولا يفعل ذلك من يريد الزعامة على جثث الآخرين!
الراشد لن يقول لنا -ولا حتى لغيرنا- من الذي أنفق أموال شعبه لإفشال الوحدة المصرية السورية وتحقيق الانفصال!.. ولن يقول لنا- ولا حتى لنفسه سرا- من الذي أنفق الأموال لتدمير سوريا الآن!
والأسئلة من هذا النوع عديدة وطويلة تمتد من العراق إلى اليمن ومن سوريا إلى ليبيا.. لكن الراشد ينسى أن مصر العظيمة لم تضبط مرة واحدة تتدخل في شئون غيرها.. لا علنا ولا سرا.. حتى تدخل مصر في اليمن كان بطلب من اليمنيين.. يذكرونه ومصر بالخير حتى اليوم!
وعلى كل حال ثانية: مصر الكبيرة العظيمة هي منارة المنطقة شاء من شاء.. وأبى من أبى.. ولم نر دولة في التاريخ تكون منارة لمن حولها حتى وهي تحت احتلال أجنبي!
مصر القوة الناعمة الساحقة.. من سيد درويش وما قبله إلى بليغ وعبد الوهاب والموجي والطويل.. ومن أم كلثوم إلى العندليب ونجاة ومنير.. ومن الريحاني ويوسف وهبي إلى صبحي وعادل إمام.. ومن العقاد إلى الحكيم وطه حسين ومن محفوظ إلى إدريس والقعيد والغيطاني.. ومن هدى شعراوي إلى سيزا نبراوي وبنت الشاطئ.. ومن مصطفى مشرفة وسميرة موسى إلى يحيى المشد وسعيد السيد بدير..
ومن فاروق الباز وهاني عازر إلى مصطفى السيد ومجدي يعقوب.. مصر من محمد التابعي ومحمد حسنين هيكل إلى كامل زهيري وأحمد بهاء الدين.. مصر يا أستاذ أربعة نوبل رغم أي تحفظات حتى وهي في أضعف حالاتها.. مصر بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة.. ومصطفى طلبة رئيس لجنة البيئة بها..
ومصر أكبر رصيد في التعاون مع اليونسكو وغيرها.. مصر المحكمة الدستورية العليا التي تبطل قوانين الرؤساء.. ومصر محكمة النقض التي تحل البرلمان.. ومصر أكبر منتج ومصدر للعقول والطاقات والعبقريات حول العالم بأعلى رصيد علماء يعملون خارج بلادهم!
وعلى كل حال ثالثة: لا نريدها - طبعا - حربا إعلامية بين مصر والسعودية حاشا لله.. فربما لا ترضى السعودية أصلا عما كتبه الراشد ولا المصلحة القومية تقبله.. ولا حتى نريده تراشقا من هنا وهناك.. إنما هو ليس إلا رفض الصمت المريب لما يطول بلادنا وهي الذكرى التي تنفع المؤمنين!
بالمناسبة: الزعامة دور.. يفرضه القدر.. تحدده الجغرافيا.. وينظمه التاريخ.. وهو لا يشتري وربما لا "يفني".. ولكن من المؤكد أنه لا يستنسخ ولا يستحدث ولا يستصنع من عدم!