رئيس التحرير
عصام كامل

أين مهرجان «القاهرة» من «الجونة» و«مراكش»؟


تنافس مهرجانا دبي وأبو ظبي للسينما، أكثر من عشر سنوات على صعيد بذخ ودقة التنظيم واستقطاب ألمع نجوم العالم، وأصبحا قبلة صناع الفن السابع العرب، رغم عدم وجود صناعة سينما حقيقية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوارى أمامهما خجلًا مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الرائد في المنطقة، لكن كانت الكلمة الفصل للميزانية الكبيرة وإغراء النجوم ثم روح العمل والإخلاص فيه، بعيدًا عن صبغة الأداء الحكومي العشوائي المسيطر على "القاهرة السينمائي" التابع لوزارة الثقافة.


كنت أتابع مهرجاني دبي وأبو ظبي للسينما، وأفخر لوجود مثلهما في بلد عربي لا يمتلك صناعة سينما، وفي الوقت نفسه أشعر بمرارة لضعف وتدني مهرجاننا الدولي وأخطاء تنظيمه غير المحدودة. وكم تمنيت أن يحظى بإدارة مختلفة تغير صورته التقليدية، وأن يكون لدينا مهرجان بشهرة مهرجاني الإمارات أو "مراكش" المغربي.

تولت د. ماجدة واصف في السنوات الأخيرة رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، وفي تلك الفترة توقف مهرجان أبو ظبي السينمائي وخصصت ميزانيته لدعم صناعة السينما الوليدة في العاصمة الإماراتية، والحقيقة تمكنت واصف بعلاقاتها الواسعة وحسن إدارتها من إحداث تغيير إيجابي في مهرجان القاهرة واستقطبت أسماء لامعة من نجوم هوليوود، وإن حالت ضعف الميزانية والضغوط الإدارية في المهرجان الحكومي دون استمرارها فاستقالت بنهاية الدورة الفائتة.

أنعم الله علينا العام الماضي بمهرجان "الجونة السينمائي"، الذي ولد عملاقًا من دورته الأولى، ومع تمويله الكامل من رجلي الأعمال نجيب وسميح ساويرس وحماسة إدارته الشابة استقطب نجوم هوليوود والعرب وواكبه زخم إعلامي غير مسبوق، وفاق بتنظيمه الرائع مهرجانات تقام منذ سنوات طويلة، حمدت الله أن بات لدينا مهرجان نفخر به بين مهرجانات العالم، وزاد الفخر بتميز ولمعان الدورة الثانية واستقطابها نجوما عالميين أكثر شهرة من الدورة الأولى، وإعلان المهرجان مضاعفة قيمة جوائزه، وعقده شراكة ورعاية مع شركات أخرى تضمن استمرارية تنظيم المهرجان بهذا المستوى إن لم يكن أفضل.

بات "الجونة" قبلة صناع الفن السابع، بتميزه، مصداقيته، برنامجه الحافل والمتنوع والمتوازن، فضلًا عن دعمه السخي لمشاريع الأفلام المصرية والعربية، وتزامن مع ذلك صعوبات واجهت مهرجان دبي السينمائي، تأجلت على إثرها دورته الـ 15 إلى العام المقبل، ليقام كل عامين بعد أن كان سنويًّا.

اختارت وزارة الثقافة إدارة جديدة لمهرجان القاهرة السينمائي، الذي يحتفل بدورته الـ 40 الشهر المقبل، واستبشرنا خيرًا بإعلان رئيس المهرجان محمد حفظي إقامة النسخة الأولى من "أيام القاهرة لصناعة السينما"، كما استقبل "ملتقى القاهرة السينمائي" 107 مشروعات أفلام، تنوعت بين الروائي والوثائقي في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج، سينال صناعها دعمًا ماديًّا لإنجاز أفلامهم، ومع انتظار بقية المفاجآت التي تمنيت أن تكون مثل مهرجان "الجونة"، إذا بخطيئة لا تغتفر ترتكبها إدارة المهرجان!

أعلن "القاهرة السينمائي" بفخر شديد عن تكريم المخرج الفرنسي كلود ليلوش ومنحه "جائزة فاتن حمامة" أرفع جوائز المهرجان باعتباره "أيقونة" مخرجي فرنسا وأحد أبرز مخرجي العالم، الحائز جوائز أوسكار والسعفة الذهبية، ووسط احتفاء المهرجان باختياره الرفيع، ضج "السوشيال ميديا" منددًا رافضًا تكريم ليلوش "داعم إسرائيل والمتضامن معها"، وبدلا من أن تتدارك إدارة المهرجان خطأها، طلبت من رافضي تكريم ليلوش تزويدها بوثائق دعمه إسرائيل، وحين وصلتها الوثائق قررت "إلغاء تكريم كلود ليلوش حسما للجدل المثار حول دعمه الصهيونية نظرا لمواقفه السياسية، رغم التقدير له على المستوى الفني والاعتراف بقيمته كمبدع"!

بدأت إدارة "القاهرة السينمائي" عهدها الجديد بسقطة يفترض ألا تمر دون محاسبة المسئول عنها، إذ كان عليها البحث في مجمل تاريخ من تختاره للتكريم بأرفع الجوائز، بدلا من أن تضع المهرجان والوزارة ومصر كلها في هذا الحرج مع فرنسا ونجوم السينما في العالم، فليس هينا إبلاغ مخرج بقيمة كلود ليلوش بتكريمه في مصر ونشر الخبر في وكالات الأنباء، ثم التراجع وإلغاء التكريم أيا كانت الأسباب.. الخطأ أولا وأخيرا تتحمله إدارة "القاهرة السينمائي"!!

ارتباك مهرجان القاهرة السينمائي، قابله تميز ليس بجديد على "المهرجان الدولي للفيلم" بمراكش، فبعد استقطابه في الدورات الفائتة نجوما مثل كاثرين دينوف، شارون ستون، مونيكا بيلوتشي، ماريون كوتيارد، بريانكا تشوبرا، شاروخان، أميتاب باتشان، مارتن سكورسيزي، إيزابيل هوبير، جولييت بينوش، إيزابيل إدجاني، وغيرهم العشرات للتكريم وفي لجان التحكيم وتقديم دروس "ماستر كلاس".

يستحدث المهرجان المغربي في دورة هذا العام، التي تفتتح في اليوم التالي لختام مهرجان القاهرة، نشاطا بعنوان "محادثة مع" عبارة نقاش تفاعلي حر وتبادل آراء مع سبعة من كبار الفن السابع هم المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، الفنان الأمريكي روبرت دي نيرو، المخرج والمنتج المكسيكي غييرمو ديل تورو، المخرجة والفنانة الفرنسية آنييس فاردا، المخرج المصري يسري نصر الله، المخرج الروماني كريستيان مونجيو، والفرنسي تييري فريمو المندوب العام لمهرجان "كان" ومدير معهد "لوميير"... هذا ببساطة الفرق بين تميز "الجونة ومراكش" وعشوائية "القاهرة السينمائي".
الجريدة الرسمية