رئيس التحرير
عصام كامل

كيف نعالج الفقر ؟!


وهناك سؤال يطرح نفسه دائمًا: كيف نعالج الفقر؟ تختلف مفاهيم الفقر وتتعدد مستوياته من مجتمع لآخر، ومن طبقة لأخرى داخل المجتمع الواحد كما تقول تقارير مؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، وكما تشرح تقارير أجهزة محلية مثل جهاز التعبئة العامة والإحصاء؛ ولا يخرج المفهوم التقليدي للفقر عن كونه قلة في الدخل النقدي تعجز صاحبها عن الوفاء باحتياجات أسرته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وعلاج وتعليم وغيرها من الحاجات الضرورية.


ثم تطور هذا المفهوم ليصبح أكثر اتساعا وشمولًا وعالمية؛ بحيث يعني الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما وردت بحدودها الدنيا في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.. فالفقر السياسي مثلًا يعني الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية والمشاركة العامة بإرادة حرة ووعي مستنير.. بينما يعني الفقر الثقافي افتقاد القدرة على القراءة والكتابة وتحصيل العلم أو الحرمان من مصادر المعرفة كالكتب والصحف والمجلات وغيرها.. أما الفقر الاجتماعي فهو الحرمان من حق العمل واكتساب قدرات مهارية تمكن المواطن من ممارسة هذا الحق.

هكذا تطورت مفاهيم الفقر واتسعت حتى بات إشكالية معقدة لا يكفي لحلها ضخ الأموال فحسب بل تحتاج لثقافة أكثر وعيًا ورغبة في التحرر من أغلاله وقدرة على تطوير سلوكيات البشر.. كما أنه يحتاج لحلول أكثر دينامية لمشكلاتنا المزمنة.. ولا عجب أن تتصدر مشكلة الفقر والبحث عن معالجات غير تقليدية لتأثيراته السلبية أولويات صانع القرار في مصر التي بادرت حكومتها باعتماد حزمة مشروعات تنموية لتحسين نوعية الحياة لاسيما حياة الفقراء؛ فرأينا تطويرًا متسارعًا للمناطق العشوائية وبالأخص الأكثر خطورة على حياة ساكنيها الذين جرى نقلهم لمساكن حضارية مثلما حدث في مشروع الأسمرات1 و2.

كما امتدت يد التنمية إلى الريف والقرى الأكثر فقرًا خصوصًا في صعيد مصر؛ فنصف فقرائنا بحسب مركز معلومات مجلس الوزراء موجودون في الريف ويعمل أغلبهم في قطاعي الزراعة والصيد؛ الأمر الذي يجعل من إصلاح القطاع الزراعي أمرًا بالغ الأهمية في أجندة الحكومة التي شرعت بالفعل في إمداد الريف بخدمات الطرق والصرف الصحي ومياه الشرب والمدارس والمستشفيات بجودة معقولة ووفق جدول زمني يتوخى الاحتياجات العاجلة حتى تكتمل منظومة الخدمات والرعاية وتصل لأي تجمع سكاني على أرض مصر.

ولعل مبادرة الرئيس السيسي لعلاج فيروس سي مجانًا وإجراء فحص طبي شامل للكشف عن المبتلين به وبغيره من الأمراض السارية والمزمنة والقضاء على قوائم الانتظار للعمليات الجراحية العاجلة في مصر هي مبادرة غير مسبوقة.. ويبقى أن تسارع الحكومة بعلاج مسببات تلك الأمراض وتثقيف المواطن ثقافة طبية وغذائية تحول دون وقوع مزيد من المرضى الذين تتكبد الدولة تكاليف علاجهم بالمليارات.

وعليها أيضا أن تحقق العدالة في توزيع الخدمات والاستثمارات الحكومية على مناطق الفقر، لتوفير فرص عمل للمتعطلين ومن دخلوا سن العمل خصوصًا في الريف والصعيد، وترتيب القرى الأكثر احتياجًا ترتيبًا تنازليًا لرفع المستوى الاجتماعي حتى يجني الجميع ثمار التنمية، وحتى يلمس المواطن جهود الرئيس الذي يتطلع لوطن قوي خالٍ من الأمية والفقر والمرض.
الجريدة الرسمية