عزيزى المسئول.. تكلم حتى نراك.. وزراء ومحافظون يقاطعون الإعلام ويرفضون التواصل مع الجماهير.. «قلاش»: المناخ العام يشيع فكرة العداء للصحافة.. و«زكريا»: محدش يبتعد عن الإعلام بمزاجه
لأنها مهنة البحث عن المتاعب، ولأن مهمتها كشف الحقائق، وفضح الفساد وملاحقة المفسدين، يخشى كثير من المسئولين في مصر الصحافة، ويتعاملون معها على أنها رجس من عمل الشيطان، بل إن وزراء ومحافظين ومسئولين كبار لا يزالون يرفضون التواصل مع الجماهير عبر الصحف، ويمارسون تعتيما واضحا على تحركات هربا من ملاحقة الصحفيين لهم، فقد يطلب الصحفى من وزير أو محافظ توضيحًا لأمر ما، أو حوارًا يكشف من خلاله خططه المستقبلية ويفند ما يتردد بشأنه من شائعات أو إخفاقات، إلا أنه يوصد جميع الأبواب والمنافذ أمام وسائل الإعلام، بل إن هناك مسؤولين رفيعى المستوى يأتون ويذهبون دون أن يعرفهم أحد، رغم أن الأصل في الأمور أن يتحدث المسئول ويفصح عن نفسه ويكشف الحقائق ولا يخفيها، حتى يراه الناس ويعلموا به وبعمله وبإنجازاته إن وجدت.
ورغم أن الدستور والقانون يعطيان الحق للصحفي في الحصول على المعلومات ونشرها للرأي العام، إيمانا بحق القارئ في المعرفة، إلا أن هناك من يضربون بالدستور والقانون عرض الحائط، ويرفضون الإدلاء بما لديهم من معلومات أو ما يمتلكونه من حقائق خوفا من نشر الحقيقة.
قوانين مخالفة للدستور
يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق، أكد أن هناك قوانين صدرت بالمخالفة للدستور يمكن أن نصفها أنها اغتيال لمهنة الصحافة والإعلام؛ التي تحتضر الآن بمنهجية، فالمناخ العام يشيع فكرة العداء للصحافة والخوف منها، والمشكلة الأساسية التي تواجهها المهنة هي حق الحصول على المعلومة وحرية تداول المعلومات، فبنص الدستور تعتبر تلك من المواد المكملة للدستور أي التي لها الأولوية في الإصدار من قبل البرلمان، وبالتالي فهي تكفل الحق في الحصول على المعلومات، وعقاب كل من يرفض إعطاء الصحفي معلومة وذلك بحكم القانون والدستور، لكن للأسف يتم التعامل بانتقائية مع الدستور، وأصبحت تلك المادة مُغيبة، وأصبح كل ما يساعد على حرية النشر وحرية الصحافة مُغيب كذلك، فالمعلومة في النهاية ليست من حق الصحفي أو الإعلامي بصفته لكنها من حق أساسي من حقوق المواطن.
التعتيم
وفي حالة التعتيم الإعلامي يرى قلاش، أن الذي يملأ هذا الفراغ هو الشائعة، وللمفارقة العجيبة شكَّل الإعلام الرسمي غرفة للرد على الشائعات، وهذه مسألة غير مسبوقة، ولا توجد في أي مكان في العالم، لأن تلك هي مهمة الصحافة، فالطبيعي أن تفعل الصحافة هذا وأن يكون لها مصداقية، لكن هذه الردود الرسمية بالآلية التي تخرج بها ليس لها مصداقية عند المواطن، بل العكس فإنه عندما يخرج مسئول بشكل رسمي لتكذيب الشائعة بدلا من الصحافة فإن هذا يرسخ الشائعة كمعلومة عند المواطن.
وأضاف نقيب الصحفيين السابق: «الهيئات الرسمية المتمثلة في الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، والمجلس الأعلى للإعلام، هي هيئات مستقلة بنصوص صريحة في الدستور، هدفها هو ضمان استقلالية الصحافة والإعلام وتعدد الآراء، لكن ما حدث أنها تحولت إلى أجهزة رقابية تزيد القيود وتُعمقها، ولا تؤدي الدور المنوط بها في الدستور».
وأشار إلى أن الإعلام سقط في حفرة عميقة، وأصبح من يديرونه ليس لهم علاقة بالإعلام، وهذا تسبب في كارثة، وخطورته أنه جعل الناس تنصرف عن الصحافة والإعلام المصري، وبدأت تنتقل لوسائل الإعلام الأخرى مثل قناة الجزيرة والـBBC، فنحن في مأساة كبيرة ستدفع البلد بأكملها ثمنها، لأن حرية الصحافة والإعلام في مصلحة المواطن والمسئول في الوقت نفسه، لأن الإعلام عندما يتسم بالحقائق يستطيع المسئول اتخاذ القرار السليم في ضوء ما يعرضه، لكن عندما يتم تقييد المعلومات وعندما يتحول الإعلام إلى نشرات تُرسل له من الجهات الرسمية أو المسئولين سيتحول الأمر تدريجيا إلى كارثة كبرى.
المصداقية
ومن جانبه، أشار الكاتب الصحفي حاتم زكريا، سكرتير عام نقابة الصحفيين عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن أي عمل ناجح يعتمد في الأساس على الإعلام، لكن يجب أن تتوافر المصداقية في هذا الإعلام، حتى يصبح المردود منه جيدًا ونافعًا للبلد، قائلا: "أعتقد مفيش حد بيبتعد عن الإعلام بمزاجه إلا إذا وجد خطأ ما".
وأضاف زكريا، أنه لا يمكن للمسئولين أن يبتعدوا تمام الابتعاد عن الإعلام، لأنه شيء أساسي في عملهم، لافتا إلى أن كل جهة لديها متحدث رسمي للإعلام، أو جهة للتعامل بشكل مباشر مع الصحفيين والإعلاميين، لأنهم في حاجة إلى ذلك وفي حاجة إلى وجود تواصل صحي مع الإعلام، مختتما حديثه أن كل ما تحتاجه الصحافة أو الإعلام هو بعض التنقية والفهم.
الفساد
ووفقا للدكتور حسن الخيامي، خبير الإدارة المحلية، فإنه يرى أنه ما دامت الشفافية غائبة فالفساد في ازدياد والمواطن في خطر، مشيرا إلى أن أي شخص يتولى منصبا رفيعا لا بد أن يتواصل بشكل جيد مع المواطنين من خلال الإعلام، لافتا إلى أنه يجب أن يكون قانون لتنظيم سير عمل المسئولين، ويوضح حقوقهم وواجباتهم.
ويرى الخيامي، أن وجود جهة رقابية معنية بالمسئولين يعتبر شيئا مهما للغاية، حيث تتمثل تلك الجهة الرقابية في الإعلام الذي يمكنه أن يوقف المسئول عند حده، ويسأله عن قراراته ونشاطاته وخلافه، لكن هذا غير موجود للأسف، قائلا: "يظل المسئول حاكما بأمره ما دام لا توجد جهة منوطة بسؤاله".
"نقلا عن العدد الورقي..."