شكرًا جزيلًا
مشهد في مترو الأنفاق، عندما قام أحد الشباب من كرسيه ليُجلس امرأة حاملا ومعها زوجها، ولكن بدلا من أن يقابل الزوج صنيع هذا الشاب بالشكر والثناء، نظر إليه شذرا بلا أي كلمات امتنان، وفى عينى الشاب الشهم، يبدو قسما خفيا ألا يفعل الخير مطلقا مرة أخرى.
ثقافة الشكر تزيد المودة والألفة، فمثلا في المواصلات العامة إذا كان معك زوجتك وتحمل طفلك أو حاملا، أو والدتك المسنة أو والدك المسن، أو شقيقتك أو ابنتك أو حتى أنت، حينما تبدو عليك أعراض الإرهاق، ووجدت من يحترمك ويحترمهم ويحترم آدميتهم ويجلسهم مكانه، فلن تخسر أي شيء لو وجهت له كلمة شكر وامتنان بسيطة، وسيبث به هذا روح محبة وافرة للجميع، ويشجعه ويشجع غيره على نفس السلوك الحضارى، ويتحول تدريجيا إلى سلوك إنسانى شائع بين الناس أساسه الرحمة والمودة والإنسانية.
وعلى العكس فإن تجاهل الشكر وعدم الاكتراث به، يزيد ــــ لدى فاعل الخير حتى لو كان لا ينتظر كلمات الثناءــــــ شعور الحنقة والغيظ والإحساس بالتعالي والتكبر، ويزيد مساحات «التطنيش»، فطبيعتنا الإنسانية جبلت على حب من يثني على أفعالنا الطيبة ويشكرها ويمتدحها.
لن تخسر أي شيء لو قلت (شكرا لذوقك) (أشكرك) (شكرا جزيلا) (متشكر جدا) لأى شخص احترمك واحترمهم، فكما يقولون «الناس لبعضها»، وكلمات الذوق والحب الاجتماعى تهون الكثير والكثير، حتى ولو لمدة ربع ساعة، وسيذهب كٌل إلى طريق.
هناك أنواع من البشر لا يهتمون بهذه القيمة العظيمة ولا يعيرونها أي اهتمام، والعلاقات بين البشر في حاجة ماسة إلى دعم متواصل، وتنشيط مستمر لتقوية أواصرها، وترسيخ أركانها من أجل المزيد من التعاون والتضامن لتحقيق الخير للمجتمع الإنساني.
الكلمة الطيبة لها أثرها العميق والفعال في النفوس، وليس أدل على الكلام الطيب من الشكر، ففي حد ذاته سلوك حضاري راق، ينبغي أن يسود بين كافة الناس، فإذا أسدى إلينا أحد جميلًا، أو قدم لنا خدمة، فالواجب يقتضي أن نقدم له الشكر على ذلك أيضًا، حتى لو كان ما يقدمه لنا يقع في دائرة مسئوليته المباشرة، فإن الذين يشكرون، وينصفون، ويرون الآخرين بعيون المحبة والاحترام والتقدير، هم الناجحون الواثقون الممتنون.
وقد ورد الشكر في القرآن الكريم في عدة مواضع، وهذا دلالة على أهميته، ورغم أن الله سبحانه وتعالى غني عن الشكر، فقد قال تعالى في محكم اياته: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
وأيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله).
يقول خبير العلاقات الإنسانية «ديل كارنجي» إنّ امرأةً أمريكية بلغت الستين من عمرها، وطوال 40 عاما وهي تعد الطعام اللذيذ لأسرتها الكبيرة، ولم تجد لذلك أي صدى لا من زوجها ولا من أولادها، وفاض الكيل بالمرأة الطيبة فانتظرت اجتماع الأسرة الكبيرة على المائدة، وقدمت لهم طبقًا كبيرًا من التبن فصاحوا غاضبين مستنكرين، فقالت: أردت فقط معرفة أنكم تميزون بين الطعام اللذيذ وبين التبن، لقد ظللت أربعين عامًا أعدُّ لكم أشهى الأطباق فلم أسمع من أي واحد منكم كلمة شكرًا.
الشكر والثناء غذاء الروح، وإكسير العلاقات الجميلة بين الأفراد على مختلف المستويات الإنسانية، علموا أنفسكم، وربوا في أولادكم التعود على كلمة «شكرا»، على الثناء على الآخرين على كل فعل طيب وجه إليهم، على الامتنان بكل صنيع خير ومعروف، فالشكر يربي الألفة وينشر الخير الدائم بين الناس.