إعلام خاشقجي!
منذ اللحظة الأولى لاختفاء "جمال خاشقجي"، الذي ليس مجرد كاتب صحفي فقط، ولكن يمكن إطلاق صفات أخرى عليه لا علاقة لها بالكتابة أو الثقافة، وأنا أنبه إلى التريث في الحديث عن حقيقة ماحدث له، في ظل هذا الكم الهائل في الأخبار والتقارير الصحفية والإعلامية التي تناولت حادث اختفائه، وتحدثت عن قتله داخل مبنى قنصلية بلاده في تركيا، فإن ما يذاع وينشر سواء في فضائيات شهيرة أو صحف عريقة أو وكالات أنباء لها اسمها، متناقض، وبعضه يخاصم العقل، وكله منسوب إلى مصادر مجهولة أو مجهلة أو رفضت الإفصاح عن نفسها.
إن الإعلام الأمريكي والأوروبي والتركي كشف عورته الحقيقية، خلال تناوله لحادث اختفاء خاشقجي، أو حادث قتله كما يطلق عليه هذا الإعلام، وهذه العورة تتمثل في افتقاده المهنية التي كان يتباهى بها، وكنا نعاير بها أنفسنا وبعضنا البعض، نحن إعلاميي العرب وصحفييهم، ويكشف ذلك بشكل صارخ وفج تكذيب صحيفة الصباح التركية نفسها، وروايتها التي ادعت فيها امتلاك شريط تسجيل للتحقيق مع "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية، وتعذيبه أثناء التحقيق.
كما يكشف ذلك أيضا إعلان الرئيس الأمريكي ترامب، أن اصطلاح "قتلة مارقون" الذي استخدمه والذي استند إليه الإعلام الغربي في الترويج، لاستعداد السعودية للاعتراف بالقتل الخطأ لـ"خاشقجي"، هو استنتاجه الشخصي ولم يقله له الملك "سلمان" خلال اتصاله تليفونيا به.
ما يعنيني هنا ليس اتهام أو براءة أحد في حادث خاشقجي، أيا كان اختفاء أو قتلا، فكم من حوادث اختفاء وقتل جرت منذ سنوات طويلة، ولم تعرف الحقيقة فيها حتى الآن، مثل كل حوادث سقوط الطائرات، ولكننى أرصد فقط هنا كيف عرى الإعلام الأمريكي والأوروبي والتركي نفسه، وكشف أنه لا يحرص على قواعد المهنية، وإنما يسمح باستخدامها لأغراض سياسية.
ولذلك فليتوقف الذين كانوا يصدعوننا بأحاديثهم ومطالبتهم لنا، بأن نحاكي الإعلام الأمريكي والغربي، فهذا إعلام لا يحتذى به، وليس قدوة، ويباع ويُشترى، ويوظف سياسيا، ووداعا للمهنية!
وإذا كنّا نريد إنقاذ إعلامنا وإصلاحه كما نقول، فلنبتعد عن تقليد ومحاكاة هذا الإعلام الغربي، ولنصنع لأنفسنا إعلامنا الذي نريده مهنيا صادقا، والأهم لا يباع ولا يشترى من أحد، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد في العالم كله إعلام مستقل، وإنما هناك إعلام يعبر عن مصالح من يملكه، ونحن لن نكون استثناء من هذه القاعدة المطلقة.