الطيران.. «From worst to first»
يتصيد الكثير أي خطأ مصري لتضخيمه وتحويله إلى أزمة، وهو ربما يحدث في بلدان عدة ويمر مرور الكرام، وللأسف فإن من يتداول الخطأ بسذاجة أو بإساءة هو المصري نفسه على خلاف بقية الشعوب، لذا يتحين الإخوة العرب أي مقاطع تخصنا للتندر والسخرية من مصر والمصريين!!
خلال الأيام الماضية تداول العرب مقطع فيديو في طائرة مصرية تعطل تكييفها وهي في الجو، وبدأ تذمر الركاب وشكواهم من الحر، وإذا بأحدهم يقول للمضيف بغضب: "افتح الباب بسرعة عشان يجيب هوا"!!.. وكان هذا مثار السخرية الكبير من منطق المصريين. أما الأخطر في رأيي، فهو تحريض مسافرة تحمل طفلا لمن يوثق ما يحدث بكاميرا هاتفه، ومؤكد أنه من نشر الفيديو، تقول المسافرة: "صور عشان الإعلام يشوف مصر"!
طبعا الراكب المصري صور ووثق ونشر وتسبب في "فضيحة" لبلده من مشكلة تحدث في جميع شركات طيران العالم! إن قلنا على هذا الفيديو إنه نتيجة اندفاع مواطن لا يثمن نتيجة تصرفه، أو يدرك التداعيات أو حتى تعمد الإساءة، فماذا نقول عن إعلام متخصص تسبب بفضيحة أخرى، حيث أجبرت مجلة "حورس" التي توزع على متن رحلات "مصر للطيران" على الاعتذار رسميا إلى الفنانة الأمريكية "درو باريمور"؟!
هذا الاعتذار أبرزته وسائل إعلام تسيء إلى مصر دائما، وتنشر كثير من الأكاذيب عنها، لا سيما وكالة "رويترز" البريطانية ومجموعة من الصحف الأمريكية.. باعتبار أن الإعلام المصري أيضا "يعتذر عن الفبركة وليس هم فقط".
اعتذرت المجلة عن مقابلة مع "باريمور" أثارت جدلا كبيرا، وتشكيكا في صحتها وأوحى الاعتذار بأن "المشكلة نتيجة الترجمة من الإنجليزية للعربية والعكس". وتضمنت الرسالة: "نعتذر عن أي فهم قد تم تفسيره على أنه إساءة للفنانة الكبيرة".
بدأت المشكلة بعدما نشر الكاتب "آدم بارون"، صورا من المقابلة، مشيرا إلى أنه تصفح المجلة خلال رحلة "مصر للطيران"، وقرأ مقابلة "سريالية" مع "درو باريمور" متضمنة أخطاء عدة.
جاء في اللقاء: "من المعروف أن "باريمور" كان لديها أكثر من 17 علاقة وخطبة وزواج، ويعتقد علماء النفس أن سلوكها هذا يعد طبيعيا، لأنها افتقدت دور الرجل القدوة في حياتها بعد انفصال والديها عندما كان عمرها 9 سنوات فقط".
تسعى "مصر للطيران" جاهدة لتحديث أسطولها الجوي، وتطوير قدرات العاملين فيها ومواكبة تطورات الملاحة الجوية لتلحق بركب الشركات صاحبة الصيت والشهرة الدولية، لكن أن تسيء تصرفات وأخطاء فردية لسمعة وإنجازات الشركة وتجبرها على اعتذار تتلقفه وكالات الأنباء العالمية فهو أمر يجب ألا يمر بسهولة.
وفي إطار تحديات الطيران العالمي يحضرني نجاح مذهل حققه الأمريكي "جوردن بثون"، حين وافق على تولي إدارة شركة الطيران الأمريكية كونتيننتال بعد إعلان إفلاسها، فحولها من "فاشلة إلى ناجحة بامتياز" في غضون 18 شهرا فقط.
اعتمد "بثون" أسلوب إدارة خاصا ورفع شعار "From worst to first"، حيث سعى لجعل أسوأ شركة الأولى في أمريكا.
عندما تولى بثون إدارة الشركة، كان سعر سهم "طيران كونتيننتال" في البورصة أقل من دولارين، وحين تقاعد من العمل كان سعر السهم 50 دولارًا.
بداية "بثون" لم تنبئ بالمعجزة التي حققها، إذ تعثر في دراسته بسبب شغبه ومشاكله الكثيرة، فترك التعليم في مراهقته والتحق بالبحرية الأمريكية بوظيفة فني إلكترونيات الطيران، فبرع في مهنته وترقى سريعا، وكان يشرف على كل شيء بنفسه، والطائرات التي يتولى صيانتها لا تتعطل ثانية.
عمل "بثون" بعد التقاعد في شركات طيران تجارية مديرا للصيانة، وأحرز فيها نجاحا كبيرا، ومنها شركة "بوينغ".
اختير "بثون" العام 1994، مديرا تنفيذيا لشركة الطيران المفلسة والأسوأ في أمريكا، وسريعا اكتشف "جوردن بثون" حقيقة الوضع، فالرحلات تتأخر يوميا، وحقائب المسافرين تضيع، قطع الغيار والفنيون في الوجهات التي تسافر إليها طائرات الشركة غير متاحة، فإذا حدث وتعطلت طائرة في الخارج، كان إصلاحها يحتاج إلى وقت طويل، يتوجب معه تدبير وسيلة سفر بديلة وأماكن مبيت للركاب على حساب الشركة، ما ضاعف من الخسائر المليونية، فضلا على أن مستوى الخدمة والنظافة والأناقة في طائرات الشركة كانت في أدنى مستوى.
أخبر "بثون" الموظفين أنه إذا حلت الشركة ضمن أفضل 3 شركات طيران، سيقوم بتوزيع نصف الملايين التي تخسرها سنويا عليهم بالتساوي. دبت الحماسة في النفوس واجتهد الجميع وبعد شهر واحد فقط حلت الشركة في المركز الرابع، وبعد ثلاثة أشهر أصبحت شركة الطيران الأولى.
وفي المقابل أوفى "جوردان" بوعده للموظفين ودفع المكافآت 6 مرات في العام الأول لإدارته الشركة، ولمزيد من التقدير والتحفيز كان "بثون" يوقع كل شيك إضافي بنفسه، ويسافر شخصيا لتوزيع الشيكات على مستحقيها، ما كان له أثر بالغ على العاملين، لأن وعود سابقة لم تتحقق ولم تنفذ، وعليه تسابقوا لتقديم أفضل ما لديهم للمسافرين على متن الشركة حفاظا على الصدارة. كذلك توالت قرارات "بثون" البسيطة والعميقة لتحديث الأسطول وحل المشكلات الأخرى لتستمر الشركة الأولى وتدر أرباحا طائلة.