من أوراق أول رئيس للتنظيم الخاص.. الرجل الغامض يكشف كواليس آخر أيام حسن البنا
طقس شتويّ بامتياز، لا يظهر في الأفق سوى الغيوم كما هي الحالة السياسية في مصر عام 1949، فجماعة الإخوان باتت في السجون بعد اغتيال رئيس وزراء، وملك لا يتوانى لحظة في التصفية السياسية، ورجل يرى أن الثأر الحقيقي مع مرشد الجماعة، وشاب في منتصف الأربعينيات فقد جيشه الذي يحميه ويقبّل يده ليل نهار.
يجلس محتارًا في بيته، ما الخطوة المقبلة، يأتيه رجل يخبره بنبأ سار، إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء يوافق على لقائك، يطير حسن البنا من الفرح، يقرر تغيير خططه ويذهب لجمعية الشبان المسلمين وهناك يتم اغتياله، لكن قبل ذلك الاغتيال هناك الكثير من التفاصيل، ورغم نشر بعضها فإن إبراهيم عبد الحليم أول من تولى مسئولية التنظيم الخاص لجماعة الإخوان لديه القصة من أولها لآخرها كما لم يعرفها أحد، وكما رواها هو في كتابه المكون من جزأين «الإخوان المسلمين.. أحداث صنعت تاريخا من الداخل»، وذلك بالتزامن مع ذكرى ميلاد حسن البنا.
يبدأ إبراهيم عبد الحليم روايته من واقعة اغتيال محمود النقراشي 28 ديسمبر 1948، يقول هو «تم القبض على قتلة النقراشي، ثم تولى إبراهيم عبد الهادي القبض على عدد كبير من أعضاء الجماعة وتركوا المرشد وحده، وقد اتصلت به فأكد لي أن اعتقال أعضاء الجماعة وتركه وحيدًا يؤكد أكثر من سيناريو أولهم الاغتيال والثاني ارتكاب باقي أعضاء الجماعة حماقات لا يستطيع هو - أي المرشد - إيقافها بعد قطع الاتصالات عنه ومن ثم محاكمته عليها».
كانت تلك الأيام كئيبة، نهارها طويل وليلها حالك، لكن مرشد جماعة الإخوان الأول الذي اعتاد على المهادنة والذهاب للقصر تارة وتارة أخرى لمقر الحكومة لعقد صفقات سرية لم ييأس من أي شيء، يقول «عبد الحليم»: «عمل المرشد على رؤية إبراهيم عبد الهادي، كان يريد مقابلته من أجل أن يتيحوا له الفرصة كي يتحدث للإخوان في السجون وينهاهم عن أي عمل عنيف، كان اتصاله ووجوده يمنع الكثير من الحوادث لكن الدولة - بحسب رأي عبد الحليم - كانوا يريدون الإخوان بلا رأس لارتكاب جرائم يُحاسب عليها حسن البنا بعد ذلك».
فشلت محاولات المرشد في رؤية إبراهيم عبد الهادي بعد الكثير من الاتصالات، فما كان منه سوى التفكير في الهروب، تلك الصفحة المنسية من روايات آخر أيام المرشد يرويها «عبد الحليم» فيوضح «فكر المرشد في الخروج من البلاد بطريقة غير شرعية لأن حالته كانت أشبه بالإقامة الجبرية، وفي الوقت الذي كان يفكر فيه بذلك، وكما شهد بذلك محمد يوسف رئيس قسم الشباب بجمعية الشبان المسلمين، فإن هناك وسيطا أبلغ حسن البنا في يوم الحادث أن إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر وافق على مقابلته ومن هنا غير حسن البنا خططه».
ويوضح إبراهيم عبد الحليم إنه قبل حادثة الاغتيال رأي رؤية، يحكي تفاصيلها بقوله «شفت حسن البنا بيصلي قدام بيتنا، وبعد الانتهاء من الصلاة رحت اسلم عليه، وأخذته وخرجنا من الجامع، فقال: أنا عاوز أشرب، فلقيت واحدة في الحارة طلبت منها ميه فأحضرت لي مية في كوز، ولاحظت دماء على ذراع المرشد، وبعد أن شرب مسحت له الدم، بل إن حسن البنا رأى قبل مقتله بيوم ما يشبه قتله لذلك أوصى أهله قبل الخروج في ذلك اليوم».
تفاصيل الحادث يرويها «عبد الحليم» فيقول «حين علم حسن البنا بموافقة إبراهيم عبد الهادي على رؤيته خرج لجمعية الشبان المسلمين، وفي الثامنة وخمسة دقائق مساءً وأثناء خروجه من الجمعية تم إطلاق النار عليه من قبل مراقبين له، وفر الهاربين في عربية جيب تحمل رقم «9979» ولأنها سيارة تتبع الدولة ضغط عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية على الشهود لتغيير رقم السيارة لينفي التهمة عن مؤسسات الدولة».
وفي نهاية حديثه عن الاغتيال يقول محمود عبد الحليم إن تلك الحادثة لم يتم محاكمة الجناة الأصليين فيها والممثلين في الملك فاروق وأعوانه من الإنجليز.