هلا سترناهم؟
سألت صديقي الطبيب والجراح اللامع والناجح جدا، بعدما رفع سعر الكشف في عيادته مرتين خلال عام واحد بأرقام قافزة دون أي مبرر: ليه بتزود كل شوية؟ الناس مش متحملة ارحمهم.
رد عليَّ: لو معملتش كده مش هيحترموني.
قلت له: لكنهم يحبونك ويدعون لك لأنك ماهر جدا وربما كان نجاحك بسبب دعاء الغلابة منهم لك.
رد عليَّ: لو معملتش كده سمعتي هتضيع بين زملائي وهيتقال عليَّ دكتور «نص لبة».
قلت له: لكن الرحمة ودعاء الناس لك، وخروجهم من عندك مجبوري الخاطر، وشعورك أنك سبب في شفائهم وإسعادهم أمر جميل في حد ذاته ويدخل السعادة والفرح على قلبك.
رد عليَّ: أنا ما ضربتش حد على إيده علشان يجيلي، ولأنهم عارفين شطارتي هيدفعوا اللي أقول عليه.
قلت له: حرام عليك الرفق بالناس مهم ومن أولويات الدين وأنت عارف ربنا، والحمد لله أنت بتكسب «يوميا» دخلا محترما يوازي دخلا شهريا لشاب في مقتبل العمر.
رد عليَّ: أنت جاي تقرّ عليا، سيبني في حالي الله يكرمك، هاتشوف بكره هابقى صاحب مستشفى كبير، واللي معهوش مايلزموش، يروح يتعالج عند الحكومة.
نظرت إليه في صمت مطبق:!!!
يقول الراحل الدكتور مصطفى محمود في إحدى الكلمات المنتقاة من مأثوراته متحدثا عن الرحمة في مجملها: "الرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر، فيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم، وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية، وقليل منا هم القادرون على الرحمة".
نعم قليلون منا هم القادرون على الرحمة والرفق، القادرون على النظر بعين القناعة، النظر بعين الاعتدال، على التعامل مع الآخرين بمنطق «الستر»، نعم، سترهم حين نعلم بساطة معيشتهم وضعف دخولهم، واحتياجهم لمهارتنا وعلمنا بشدة، فنقابل هذا بالرفق بهم، وبأحوالهم والتماس العذر لهم.
قد يرتكب البعض منا الحماقات حين يزيد من قسوته عليهم، فيجلد ظهورهم ويكوي قلوبهم، ويهين ذاتهم بالاحتياج والعوز من أجل إشباع شهوته لجني المال، من أجل علوّه وارتفاع شأنه حتى لو كان هذا بالعبور فوق رقابهم، حتى لو كان على أنقاض روحهم وهزائمهم النفسية وكسرتهم أمام أسرهم، حينما يضعهم بلا أي محل اختيار، في موقف العاجز قليل الحيلة.
يشق الناس، على بعضهم من أجل هذا المال الذي أعمى البصائر، وأمات الضمائر، وكم انكشفت في شهوة المال دعاوى الوَرَع الزائفة، فهلا رفقنا وسترنا وحجزنا لأنفسنا مكانا بين المحسنين في آخرتنا، بدعوات الغلابة؟... أتمنى.