رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا تشكو الضعف!


اعتدنا دوما على مدار عقود عديدة أن تشكو العديد من الدول في العالم من تدخل الأمريكان في شئونها الداخلية.. فهكذا كانت سياسة أمريكا التي رأت نفسها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الدولة العظمى الوحيدة، التي يتعين أن تهيمن وتفرض وصايتها على الجميع، ولذلك ابتدعت سياستها الشهيرة المعروفة بالقرن الأمريكي.. لكن الجديد اليوم هو أن تشكو أمريكا ذاتها من تدخل غيرها من الدول في شئونها الداخلية!


فبعد اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لترجيح كفة ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، التي يتم التحقيق فيها الآن داخل الولايات المتحدة، خرج علينا نائب الرئيس الأمريكي "بنس" ليتهم الصين هذه المرة بالتدخل في انتخابات الكونجرس الأمريكي بغرض حرمان ترامب من أغلبية حزبه الجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ، ليصبح ضعيفا ومهددا بالعزل..

بل إن "بنس" تمادى في اتهاماته للصين، لدرجة اتهامها بأمر لم يحدث بعد، لكن تعتزم القيام به، وهو التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة لتحرم ترامب من فترة رئاسية ثانية!

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذه الاتهامات التي وجهها نائب الرئيس الأمريكي للصين، ومن قبلها الاتهامات التي وجهها الديمقراطيون لروسيا، فإن الأمر يبدو الآن كأن أمريكا الدولة العظمى، أو التي تبغي أن تكون وحدها هي المهيمنة على العالم، قد باتت دولة عادية مثل غيرها من الدول المستباح التدخل في شئونها الداخلية، والعبث في انتخاباتها، سواء الرئاسية أو البرلمانية، ومن قبل دول أخرى تعتبر نفسها أقوى وأضخم منها!..

أمريكا كما يقول أهلها لم تعد محصنة مثل غيرها من التدخل في شئونها الداخلية.

هي تذوق ذات الطعم المر للشيء ذاته الذي أكرهت غيرها من الدول على تذوقه منذ أن صارت دولة عظمى.. ولسنا نحن الذين نقول ذلك، إنما الأمريكان أنفسهم الذين يقولونه ويشكون منه، مثلما كان غيرهم يشكون.. إنهم يشكون الضعف، وهم في قمة الجبروت.. وهذه هي المؤشرات لنظام عالمي جديد يتشكل الآن، ستكون أمريكا واحدة من أقطابه وليست القطب الوحيد، وكل ما يستطيع ترامب القيام به هو تأخير بزوغ هذا النظام بعض الوقت وليس منعه.
الجريدة الرسمية