رئيس التحرير
عصام كامل

الجنرال الصارم.. كما عرفته!


اختلطت السياسة بالتاريخ.. فغابت حقائق وتبدلت أخرى.. وبالطبع التغييب والتبديل على حساب الحق والحقيقة.. ولا يصح وقد رحلت السياسة إلى ما رحلت إليه أن يبقي التاريخ منقوصا مبتورا لا نعرفه كما ينبغي..


الفريق أول محمد فوزي.. القائد العسكري الفذ الذي تسلم مسئولية الجيش المصري في أصعب مراحله وفي أقسي ظروفه.. والذي أعاد بناءه كاملا وفق خطة تحرق الزمن والمسافات، وتنتصر على أي ظروف.. وهذا لا يحدث.. ولم يحدث.. إلا بالشدة المطلقة التي اشتهر بها حتى عرف بلقب "الجنرال الصارم".. فقد بلغت شدته حد القسوة إلا أنها القسوة المطلوبة في وقت لا تحتمل فيه الظروف إلا الصرامة!

تمر السنوات ويصبح الرجل بعيدا عن مناصبه، ويرتب القدر مع الفريق أول محمد فوزي أكثر من مناسبة والمرافقة أنها بألقاب معكوسة لكل منا.. فعندما شاركنا معا في فترة ما في تأسيس الحزب الناصري، وفي المؤتمر العام للحزب، وقد ضم في بدايته أسماء كبيرة جدا لا حصر لها، حاز الرجل على لقب أكبر أعضاء المؤتمر سنا، وحزت على لقب أصغرهم..

وفي اللجنة التي شكلت لتتولي المصالحة بين الفرقاء الناصريين، وقد تشتتوا لعدة أحزاب وجماعات وحركات كانت برئاسته، وكنت أصغر أعضائها، وقد تولي التنسيق لها الدكتور عبد الرحمن سعد الأستاذ بجامعة بنها متعه الله بالصحة!

منحتني الظروف فرصة رائعة لمعرفة الرجل عن قرب، القائد العسكري المهيب الذي تروي الأساطير عن شدته ، والقائد الذي قرر تجنيد المؤهلات العليا، فنقل الجيش المصري ومستواه إلى منطقة مختلفة نراها أمامنا بصورة مغايرة تماما.. حنونا لطيفا متواضعا إلى أقصى حد.. يقدم واجب الضيافة بنفسه، ويتولي تجهيز كل شيء ويسأل بود بالغ عن الجميع..

وفي استراحته بالعصافرة بالإسكندرية وجدنا في مناسبة أخرى السلوك نفسه.. وفي أحد اللقاءات وبغير قصد ساهمت زلة لسان غير مقصودة في انفجار القاعة بالغضب ضده، وانتظر في مشهد مؤلم حتى يهدأ الجميع، واعتذر علنا بلا أي تكبر، رغم أن تاريخ الرجل يغفر له أي شيء لكنها أيضا السياسة وقوانينها التي تتصادم مع الخلق القويم.. ومنه وضع الرجال منازلهم وتوقير الشيوخ والعرفان لكل من قدم للوطن شيئا، خصوصا أن مستقبله خلفه لا يريد من الدنيا شيئا إلا مساهمة قدر الاستطاعة في العمل العام!

هذا الرجل لم ينم طوال ثلاث سنوات أعاد فيها بناء الجيش، وفي عهده وتحت قيادته مع الشهيد عبد المنعم رياض تمت كل بطولات حرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ، ولا يصح أن يبقي مجهولا اسما وسيرة عند أجيال بأكملها اللهم إلا بعد أن تولي الرئيس السيسي المسئولية، وما قيل عنه عندما اطلق اسمه على إحدى المنشآت العسكرية، وربما على احدي دفعات الخريجين!

إنها السياسة التي تفسد ما سواها بعد أن أقيل الرجل في أعقاب الأزمة التي حدثت بعد رحيل جمال عبد الناصر.. وفي اعتقادنا أنه ظلم فيها ظلما كبيرا.. لكنها تظل عند الكثيرين صفحات مجهولة من أحداث معلومة.. وقد رحل صاحبها في صمت قبل سنوات قليلة.. كل الرحمات على روح الجنرال الصارم.. الفريق أول محمد فوزي!
الجريدة الرسمية