فَضاء أَزْهَرىّ
خطوة الأزهر الشريف، التى أُعلن عنها قبل أيام، حول إنشاء قناة فضائية مضادة للتطرف ولفضائيات التحريض، ليست فى موعدها فقط، بل هى متأخرة عن أوانها أعواماً عدة، خلالها تناسلت الفضائيات كالفطر، ومنها ما جاء باسم الإسلام أو المسيحية، لكن المخفى وراءها هو الأعظم؛ والذى بدأ يتكشف للرأى العام خلال الأزمات المتعاقبة التى تعصف بالواقع العربى.
قناة للأزهر الشريف لا تعنى التقويم والاعتدال فقط، بل تُحدد المسئوليات فى كل البرامج والحوارات والمتابعات التى تُبث على مدار الساعة، خارج التسييس والأدلجة المُوجهة وبعيداً عن لغة التطرف والعَبَث بالسلْم الأهلى على امتداد العالمين العربى والإسلامى.
وإذا كان هناك عشرات الفضائيات التى تقدم الإسلام والمسلمين من منظور خاص، وتبعاً لأجندات طائفية أو مذهبية، فإن قناة واحدة لها صِدْقية الأزهر وتراثه العريق، بمقدورها أن تضع حداً لهذا العبث والتلاعب بالعواطف والعقول معاً.
إنها بكل المقاييس خطوة ضرورية، وتُلبى حاجة ملحة فى هذه الغابة الفضائية، التى ضاع فيها الطريق، وصرنا لا نعرف أيهما يخفى الآخر.. هل هى الغابة أم الشجرة؟، فثمة أشجار تزعم بأنها تمثل الغابة كلها بِتَنوّعها واجتهاداتها، وهذا بحد ذاته احتكار إن لم يكن سَطْواً؛ يُعيد إنتاج الحقائق، ومنها العقائد تبعاً لأهواء سياسية أو استراتيجيات إعلامية تسعى إلى شحن الرأى العام، وتجييشه باتجاهات قد يكون الدين كله، وليس الإسلام فقط منها براء.
الأزهر الشريف ليس جامعاً فقط ،إلا إذا كان المقصود بكلمة الجامع لمّ الشمل وترسيخ القواسم المشتركة، من خلال مرجعية لا تُوظف سياسياً أو لأى هدف دُنيوى آخر.
ولأن الأزهر يَضُم علماء وفقهاء وباحثين، خصوصاً بعد أن أصبح جامعة مرموقة، فإن مثل هذا المشروع الفضائى سيجد من يُثْريه ثقافياً ودينياً،
إضافة إلى وجود ضوابط وكوابح تحول دون الشطط والإفراط أو تكريس العُزلات داخل الأمة الواحدة.
ولو شئنا الحقيقة.. فإن الفضاء العربى كله أصبح الآن بحاجة إلى مراجعة نقدية شاملة، فهناك عشرات؛ وربما المئات من القنوات التى تفصل الإنسان عن جاذبية واقعه السياسى والاجتماعى.. ومنها ما يبدو كما لو أنه يُبث من كوكب الزهرة أو المريخ، مقابل قنوات أخرى تُروج للخرافة، لأن أطروحاتها لا صلة لها بالعلم، ويظهر على شاشاتها رجال ونساء، يقولون كلما يعن لهم، فلا توثيق لمعلومة أو خبر، ولا لغة عربية سليمة، بل العكس هو الصحيح.. فاللغة التى تُستخدم فى بعض القنوات غير قابلة للفهم، وكأنها تُقدم نحواً مضاداً للنحو العربى، فلا هى عربية أو عبرية أو حتى سنسكريتية.
قناة أزهرية سيكون من أعبائها الدفاع عن سلامة اللغة، وعن روح التسامح والاعتدال فى الإسلام، إنها تتطلب حَشْداً يليق بالاسم الذى تقترن به، وهو الأزهر الشريف.
نقلاً عن الخليج الإماراتية..