«إسرائيل بالعربي»..تل أبيب تعتزم إطلاق 27 فضائية باللغة العربية.. «أيدي كوهين» يكشف عن المخطط بـ«تويتة».. خبراء يحذرون «قنبلة موقوتة».. وأسامة هيكل: من حقها أن
"إذا أردت أن تسيطر على شعب فعليك بإعلامه" كلمات يمكنها أن ترصد سر إعلان دولة الاحتلال في الآونة الأخيرة إطلاق نحو 27 قناة إسرائيلية ناطقة باللغة العربية موجهة للعرب، في خطوة جريئة نشتم منها رائحة الفكر الصهيوني الإستراتيجي الرامي إلى التحكم في الشعوب ومصائرها.
الخبر لم يتم تداوله باللغة العبرية على أي من مواقع وسائل الإعلام الإسرائيلية، واكتفت إسرائيل بأن يزفه ذراعها اليميني وبوقها الإعلامي في الدول العربية الباحث في شئون الشرق الأوسط بمعهد بيجن – سادات، أيدي كوهين، وذلك عبر تغريدة نشرت باللغة العربية في صفحته بموقع "تويتر"، ربما لأن المستهدف من تلك القنوات ليس المواطن الإسرائيلي بل شعوب العالم الثالث من العرب.
كوهين الذي يعتمد خطابًا دعائيًا يعتمد على نشر الأكاذيب والشائعات، أكد أن القنوات المقرر إطلاقها عبر أقمار صناعية عربية ستكون متنوعة، سواء رياضية أو إخبارية ذات مهنية عالية حسب وصفه، يحدث هذا وسط تأكيدات بأن وسطاء بدءوا يتواصلون مع منتجين مصريين "متقاعدين" لشراء أعمالهم القديم أو مساعدتهم لإنتاج أعمال جديدة لحساب الباقة الإسرائيلية.
قنبلة موقوتة
الدكتور سامي الإمام، أستاذ الديانة اليهودية والخبير بالفكر الصهيوني بجامعة الأزهر قال لـ "فيتو": القنوات الإسرائيلية باللغة العربية قنبلة موقوتة، والهدف الرئيس من إعلان دولة الاحتلال إطلاق هذا العدد من القنوات للعالم العربي هو هدم المنطقة العربية، وهذا هدف وُضع منذ سايكس بيكو والمستشرق برنارد لويس، وإسرائيل ترى أن خطة الهدم لكي تنفذ من الداخل لا بد من مخاطبة الناس بلغتهم الأم لإقناعهم بوجهة نظرها.
"سامي" أضاف أن مخاطبة الشباب العربي بلغته يعني أن تكون أقرب إليهم جدًا، وبالتالي يشعر الشاب العربي بألفة، علمًا أن تلك الخطابات الإعلامية التي تصدر عن الإسرائيليين للشباب العربي لا تكون خطابات عادية تصدر اعتباطًا، وإنما تكون مكتوبة بعناية شديدة على أيدي جهات عدة من بينها الموساد الإسرائيلي، الذي يتعاون مع كبار المتخصصين في مجالات علم النفس والاجتماع وغيرها من أجل الوصول لأفضل خطاب إعلامي يمكنه أن يؤثر بشكل كبير في الجهة المستهدفة وهم الشباب العربي، وبدون شك إذا تحكمت في الإعلام فأنت تتحكم في عقول الناس.
الخبير في الفكر الصهيوني يؤكد أن التأثير في المستمع يكون أكبر من القارئ، متسائلًا: كم عدد من يقرأ الصحيفة مقابل من يستسهل ويفضل مشاهدة مقطع فيديو أو قناة تليفزيونية؟! الحقيقة أن الاستماع أكثر انتشارًا من القراءة، وإسرائيل لديها إمكانات كبيرة في مجال البث، وبالتالي فإن الفكرة ستلقى رواجًا بين الملايين، وستنجح في إقناع كثير من الشباب ما لم يتم وضع خطة مجابهة لعرقلة خطوات إسرائيل الشيطانية، وزاد قائلًا: إنه حينما تشوه دولة الاحتلال كما تفعل حاليًا الإسلام في أوروبا، ونحن لا نرد ردًا منطقيًا مدعمًا بالأسانيد والأدلة، فالنتيجة أن الآخر سيقتنع أن كلام دولة الاحتلال صحيح، وهو في الواقع كذب وافتراء، لكن يعد عند المستمع حقيقة؛ لأنه لا يوجد من يدافع ويرد، وهنا يقع التقصير على عاتق المؤسسات الدينية والإعلامية المعنية بالرد.
إثارة الفوضى
من جانبه، حذر المحلل السياسي وأستاذ الفكر الصهيوني بجامعة الإسكندرية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، من القنوات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، مؤكدًا أن دولة الاحتلال تسعى من خلال تلك الخطوة إلى بلبلة الرأي العام في العالم العربي بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص.
"أنور" أضاف لـ"فيتو" أن إطلاق 27 قناة إسرائيلية باللغة العربية ما هو إلا امتداد لجهود صهيونية قديمة، واستكمال لمخططات صهيونية سابقة، تحت مظلة الوحدة الاستخباراتية الصهيونية 8200 من أجل إثارة الفتنة وتفتيت العالم العربي، لكي يتكيف العرب على أوضاع معينة، وقبول الاحتلال والتطبيع والعنصرية الصهيونية، وهذا الخط تكمله إسرائيل على غرار ما حدث في قناة الجزيرة التي سمحت للمتحدثين باسم جيش الاحتلال ورئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بالظهور على منصاتها واختراق منازلنا.
وأشار إلى أن الاحتلال سبق وأن استولى على تسجيلات نادرة للمطربة أم كلثوم، تضم أغاني وحوارات في الإذاعة الفلسطينية بعد احتلاله للضفة، ووضع الصهاينة أيديهم على تلك التسجيلات، وقاموا ببثها للترويج لجذب الانتباه والـ"ترافيك"، منوهًا إلى أنه خلال جذب المستمعين لأغانيهم المفضلة يتم بث السم في العسل، عبر نشر خبر كاذب أو تحليل إخباري قبل الأغنية أو نشرة إخبارية بعدها، وتابع أن تلك القنوات بالطبع ستكون مغلفة بالأغاني والترفيه وكرة القدم لجذب الشباب العربي، ومن ثم السيطرة على أفكاره وإقناعه بوجهة النظر الصهيونية، مشددا على أن إسرائيل لا تزال عدوا يتربص بنا، تنشر جواسيسها في كل مكان، ويوجد بيننا وبينها حالة ثأر، وتسعى لتدميرنا بأي ثمن، ومن الضروري أن نعي أيضًا أن هذه القنوات تشكل خطرًا على الأمن القومي، ولا ينبغي أن نعتقد أن زمن الصراع مع إسرائيل انتهى، ولكن تغير شكله، وأصبح له أوجة اقتصاية وثقافية وسياسية، ولا بد من الانتباه إلى خطورة السماح للعدو بنشر وبث سمومه داخل الدول العربية.
فشل المنظومة الإعلامية
وبدوره، أكد الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن إسرائيل تريد كسب الرأي العام العربي، وأحد وسائل ذلك أن تكون هناك قنوات تلفزيونية إسرائيلية ناطقة باللغة العربية في ظل فشل المنظومة الإعلامية المصرية بصفة خاصة.
واستطرد قائلًا: هذه القنوات تخدم السياسة الإسرائيلية وتقدم وجهة نظرها في القضايا التي تهمها، وتهم المنطقة لمحاولة إقناع الشباب العربي، بما تريد أن تمليه من سياسات في المنطقة، وبذلك تكسب أرضية لها بين المواطنين العرب، مشددا على أن السبيل الوحيد لمواجهة تأثير تلك القنوات هو أن تكون هناك مساحة واسعة من الحرية لمؤسسات الإعلام العربية والصحافة والإذاعة والتليفزيون، فضلًا عن مزيد من الشفافية، وكذلك تجنب السياسات التي تسبب سخط الجمهور حتى لا ندفعه للجوء إلى السموم التي يبثها الإعلام الإسرائيلي.
أين نحن؟
أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي ورئيس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان، يرى أنه من حق أي بلد أن تفعل ما يخدم مشروعها وثقافتها، وإنه لا يمكن منع إسرائيل من إطلاق القنوات الناطقة باللغة العربية، مشيرا إلى أن لديها قمرها الصناعي الذي ستطلق قنواتها عليه.
وأوضح هيكل أن السؤال يجب أن يتحول من الحديث عما تفعله إسرائيل إلى الحديث عما نفعله نحن، فأين نحن الآن؟ ولماذا لم نفكر في فعل هذا قبل أن تفعله إسرائيل، لافتا إلى أنه ينادي منذ عشرات السنين بأنه لابد من وجود سياسة للإعلام وإستراتيجية واضحة له، وهدف محدد يسعى لتحقيقه، ولم يحدث هذا وهو ما يدعو للإحباط، مشيرا إلى أن هذا هو مسئولية القائمين على الإعلام والمسئولين عن رسم سياساته، فكل ما ينقصنا في الإعلام هو رؤية واضحة فقط.
وأشار رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان إلى أن التراث المصري سُرق بالكامل بعد عام 2000، ولم يُفتح تحقيق واحد في الواقعة، فالعالم كله أصبح سوقا مفتوحا، كل كيان يفعل ما يحلو له، لكن الذي يُلام هو الذي لا يفعل شيئا وليس من حقه أن يلوم غيره، لافتا إلى أن إغلاق وتأميم القنوات الفضائية المصرية يزيد من خطورة المشروع الإسرائيلي، لأنه يترك فراغا للآخرين ليملأوه هم.
حرب معلومات
أمنيا، يرى اللواء حمدي بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن القنوات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية سيكون لها بلا شك تأثير سلبي، لأن هذه القنوات لن تبث برامج ومواد إلا في إطار حرب المعلومات، مثلما فعلت أمريكا عندما أطلقت قناة الحرة وراديو سوا ومجلة "هاي" تزامنا مع حرب العراق، وكان غرض تلك المنظومة الإعلامية عمل غسيل مخ للشباب في العالم العربي، لتعريفهم بنمط الحياة الأمريكي، والعبث بمشاعر الناس في المنطقة العربية، وهو ما تنوي إسرائيل فعله في الفترة المقبلة.
وعن الغرض من إنشاء تلك القنوات، أشار بخيت إلى أن القنوات الإسرائيلية لن تُبث إلا للدول التي ترغب في أن تشن عليها حملة إضعاف فكري ومعنوي ونفسي وكل الاتجاهات، لافتا إلى أن جزءا من هذه القنوات سيوجه إلى الأراضي المحتلة، ويعمل جزءا آخر في حرب المعلومات.
وطالب بخيت بوجود قنوات مصرية تبث باللغة العبرية مثل إذاعة "كول قاهير" أو صوت القاهرة، التي كانت موجودة من قبل، مشيرا إلى أن اللعبة تكمن في استخدام وسائل الإعلام في العملية النفسية ضمن منظومة حرب المعلومات، مشيرا إلى أن تلك القنوات ستتسلل إلى العادات والتقاليد العربية، وستعمل على تشكيك العرب في قيمهم، ثم تفرض عليهم قيما جديدة.
وأوضح العميد حمادة القسط، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، أن القنوات الفضائية العربية ليس لها أهداف محددة، وأن معظمها يحتوي مضمونا ترفيهيا، لا يمكنه توجيه الرأي العام لرؤية معينة، لذا فإننا نحتاج إلى وجود هوية قومية بالقنوات الخاصة تؤثر على الرأي العام تأثيرا إيجابيا وليس سلبيا.
غياب الرؤية
أما إعلاميا، فيرى الدكتور عادل فهمي، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الإعلام المصري تأخر عشرات السنين، ولكي يعود مرة أخرى يحتاج إلى المهنية، والعلم، وذوي الخبرة، ويحتاج إلى إرادة سياسية تدعمه تماما لقيام مشروع قائم على النوع وليس على الكم، وهنا يكون هناك رؤية وطنية للإعلام تخرج لتحافظ على السيادة الثقافية المصرية، وبالنسبة للعالم العربي بوجه عام فيرى أستاذ الإعلام أنه ممزق ومشتت ومُدمَر، لذا فإنه لا يتوقع أن يكون هناك مشروع من أي نوع يواجه المشروع الإيراني أو المشروع التركي أو القطري.
وبشأن الحديث عن وجود وسطاء لشراء التراث العربي لصالح القنوات الإسرائيلية، قال فهمي: "التراث العربي مسروق منذ السبعينيات، وتم بثه من وجهة نظر خليجية، ومن وجهات نظر كثيرة في العالم، لذا فلا يوجد شىء الآن اسمه التراث العربي، فنحن في عالم مفتوح، لكن هناك ما يسمى الذاتية الثقافية العربية، وهذه الذاتية- للأسف الشديد- أصبحت منتجاتها موجودة في كل مكان، وتبث على مدار اليوم في آلاف القنوات، لذا فلا يمكن التفرقة بأن هذا منتج مصري أو منتج سعودي أو غيره، وهناك مشروع قديم للغرب لتدوير الثقافات المحلية لكي تُفتح الأسواق أمام السلع والخدمات والأفكار والقيم الغربية".
مستقبلا لا يتوقع الدكتور عادل فهمي في المنظور القريب أن يستطيع أحد الوقوف أمام إسرائيل بهذا الأسطول الضخم والشبكة الإعلامية الكبيرة التي ستطلقها، مع الأخذ في الاعتبار أن الثقافة العربية الإسلامية هي حجر الزاوية والمصفاة التي يمكن أن تتحطم عليها كل المشاريع الإسرائيلية في الإعلام، فالثقافة العربية بجذورها الإسلامية تعتبر هي المقاومة، فهي ليست ثقافة سطحية، واختراقها يمكن أن يكون من حيث الشكل أو الماركات أو الموضة أو الفن، لكن بالنسبة للعقائد والمبادئ والقيم الأساسية، سيكون صعبا على إسرائيل اختراقها اختراقا كاملا إلا إذا كان صاحبها ليس مقتنعا بها من الأساس.
الخبير الإعلامي يشير إلى أن المرتكزات الإعلامية الثابتة التي كانت موجودة منذ نحو ثلاثين عاما تاهت الآن في ظل عدم إدارة الإعلام في مصر وفق قواعد مهنية، فلا يوجد مرتكزات ولا رؤية يقوم عليها الإعلام المصري بوجه خاص، والإعلام العربي بوجه عام، ضاربا مثال بأنه مر الآن 45 عاما على حرب أكتوبر، ومع ذلك لا يوجد تأريخ وتوثيق دقيق للحدث في إعلامنا، أو في إنتاجنا السينمائي والتلفزيوني.
"نقلا عن العدد الورقي..."