أزنافور «العبقري الأحمق».. والصديق الوفي
رحل "شارل أزنافور" آخر عمالقة الأغنية الفرنسية ومبدع الكلمة، التي تضمد الجراح أيا كان سببها. عانى في حياته، لكن بالمثابرة والإرادة والتمرد على السائد في زمنه، تمكن من إنجاز مسيرة مذهلة بدفء صوته، وسحر كلمات أغنياته والتزامه غير المحدود.
وبينما كان يستعد أزنافور لاستكمال حفلاته العالمية، لم يمهله القدر، وتوفي في منزله بجنوب فرنسا عن 94 عاما. أزنافور "التسعيني" كان يردد دائما "لست عجوزا بل متقدم بالسن". لكنه اضطر لإلغاء كثير من حفلات جولته العالمية في الأشهر الماضية، بعد إصابته بتمزق عضلي خلال التدريبات ثم إصابة ثانية بكسر في ذراعه.
عرف أزنافور المعاناة منذ البداية، فهو ولد في باريس لأبوين أرمنيين، كانا ينتظران تأشيرة الهجرة إلى أمريكا، والتزم طوال حياته بقضية أرمنيا.
ومع الشهرة الطاغية والنجومية الأسطورية، فإنه لم يحقق النجاح إلا في سن السادسة والثلاثين، وحافظ عليه لنحو 60 عاما، باع خلالها أكثر من مائة مليون أسطوانة في 80 دولة.
رغب شارل في احتراف التمثيل وعمل فعلا بالمسرح والسينما، ثم انطلق في الغناء مع بيير روش في الملاهي الليلية بداية الأربعينيات، حيث كان روش يعزف على البيانو فيما يغني أزنافور، وخلال تلك الفترة اكتشف موهبته في كتابة الأغنيات.
بعد الحرب العالمية الثانية سمعت إديث بياف عن الثنائي الفني، واصطحبتهما معها في جولة بالولايات المتحدة وكندا، وكتب لها أزنافور بعضا من أشهر أغنياتها، وخلال الجولة أطلقت عليه لقب "العبقري الأحمق"..
ودفعته بعد ذلك إلى تغيير مظهره وتحسين شكل أنفه، ومع هذا لم يحقّق شهرة كبيرة في الغناء، فاكتفى بتأليف الأغنيات لنجوم الأغنية حينذاك إديث بياف وجولييت غريكو وموريس شيفالييه وشارل ترينيه.
لم تتركه بياف وظلت تدعمه لأنها عانت مثله في بدايتها، وحين انطلق في مسيرته الغنائية منتصف القرن العشرين، ظل يردد أغنيات بياف في حفلاته حتى بعد موتها، كنوع من الوفاء والامتنان لفنانة أثرت كثيرا في مسيرته، وبعد أن اعتلى مسرح الأوليمبيا، انطلق عالميا بأغنيات فرنسية، إسبانية، إنجليزية، إيطالية وألمانية.
مثلما سعى أزنافور "الوفي" لتخليد ذكرى وأعمال بياف، حرص أيضا على التعبير عن محبته غير المحدودة لوالدته، بالأغنية الخالدة "La Mama". وفي السبعينيات، تطرّق شارل إلى القضايا الاجتماعية المؤثرة مجتمعيا في أغنياته وأفلامه، فحققت انتشارا واسعا جعلت كبار المطربين حينها ومنهم راي تشارلز وفريد استير وبينغ كروسبي يؤدون أغنياته الرائجة.
كما التزم طيلة حياته بقضية أرمنيا، وسارع في العام 1988 إلى نجدتها بعدما ضربها زلزال مدمّر، وأسس لجنة "أزنافور من أجل أرمنيا"، وكتب أغنية "من أجلك أرمنيا"، وغناها بمعية 88 مغنيًا من العالم، وأطلق صرخة دولية لدعم بلده الأم وشعبه بعد الخسائر الكبيرة، التي خلفها الزلزال.
التزام أزنافور الفن الصادق الأصيل، جعله حريصا على تعزيز علاقته برموز الأصالة الفنية في العالم بما فيها الغناء العربي، خصوصا مصر ولبنان، فهو يشارك بالغناء في مهرجانات لبنان منذ الستينيات وآخرها العام الماضي، أما عن مصر فقال أزنافور أكثر من مرة إنه ارتبط بصداقة مع أم كلثوم، "وكان له دور أساسي في استضافتها على مسرح أوليمبيا الشهير في باريس في العام 1967، وظل على تواصل دائم معها حتى وفاتها".
كما ارتبط بعلاقة وطيدة مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وجمعتهما لقاءات عدة في باريس في ثمانينيات القرن الماضي. والأمر نفسه مع عبدالحليم حافظ، والتقيا كثيرا في باريس حتى وفاة العندليب الأسمر.
أزنافور الذي خاض غمار السينما بالتمثيل في 80 فيلما مع مخرجين كبار من أمثال فرنسوا تروفو وكلود شابرول، وغنى كذلك في أعرق قاعات ومسارح العالم، لم يكن طريقه معبدا ومشواره يسيرا، بل كانت بدايته صعبة لمحدودية صوته والانتقادات اللاذعة لقصر قامته، إذ لم يزد طوله على متر و65 سنتيمترا، لكنه تحدى الصعاب وتغلب عليها وتمكن على مدى ستين عاما من رفع الأغنية الفرنسية على أهم مسارح العالم.
وفيما كان كثيرون من جيله أو حتى من هم أصغر منه يفكّرون في الاعتزال، كان أزنافور يصدر الأسطوانات والكتب بحماسة، ويحيي الحفلات في أنحاء العالم. وفي العام 2011 قال قبل شروعه في تقديم 22 عرضا وهو في سن 87 عاما "لم أقل قطّ كلمة وداعا للعمل".
حين استعرض أزنافور في الآونة الأخيرة مسيرته، قال بتواضع الكبار: "عشت مسيرة فنيّة لم تكن متوقّعة، لكنها نموذجية.. إنه الحظّ".
في الحقيقة، ليس الحظّ وحده الذي أوصل أزنافور إلى هذه الشهرة الطاغية وجعله من أهم رموز فرنسا، بل هي الموهبة والإرادة والتحدي. إذ اقتحم عالما كان يُعيب الكثيرون فيه عليه قصر قامته وإمكانيات صوته المحدود، لكنه تحدّى كلّ ذلك وصار عملاق الأغنية الفرنسية.
ودفعته بعد ذلك إلى تغيير مظهره وتحسين شكل أنفه، ومع هذا لم يحقّق شهرة كبيرة في الغناء، فاكتفى بتأليف الأغنيات لنجوم الأغنية حينذاك إديث بياف وجولييت غريكو وموريس شيفالييه وشارل ترينيه.
لم تتركه بياف وظلت تدعمه لأنها عانت مثله في بدايتها، وحين انطلق في مسيرته الغنائية منتصف القرن العشرين، ظل يردد أغنيات بياف في حفلاته حتى بعد موتها، كنوع من الوفاء والامتنان لفنانة أثرت كثيرا في مسيرته، وبعد أن اعتلى مسرح الأوليمبيا، انطلق عالميا بأغنيات فرنسية، إسبانية، إنجليزية، إيطالية وألمانية.
مثلما سعى أزنافور "الوفي" لتخليد ذكرى وأعمال بياف، حرص أيضا على التعبير عن محبته غير المحدودة لوالدته، بالأغنية الخالدة "La Mama". وفي السبعينيات، تطرّق شارل إلى القضايا الاجتماعية المؤثرة مجتمعيا في أغنياته وأفلامه، فحققت انتشارا واسعا جعلت كبار المطربين حينها ومنهم راي تشارلز وفريد استير وبينغ كروسبي يؤدون أغنياته الرائجة.
كما التزم طيلة حياته بقضية أرمنيا، وسارع في العام 1988 إلى نجدتها بعدما ضربها زلزال مدمّر، وأسس لجنة "أزنافور من أجل أرمنيا"، وكتب أغنية "من أجلك أرمنيا"، وغناها بمعية 88 مغنيًا من العالم، وأطلق صرخة دولية لدعم بلده الأم وشعبه بعد الخسائر الكبيرة، التي خلفها الزلزال.
التزام أزنافور الفن الصادق الأصيل، جعله حريصا على تعزيز علاقته برموز الأصالة الفنية في العالم بما فيها الغناء العربي، خصوصا مصر ولبنان، فهو يشارك بالغناء في مهرجانات لبنان منذ الستينيات وآخرها العام الماضي، أما عن مصر فقال أزنافور أكثر من مرة إنه ارتبط بصداقة مع أم كلثوم، "وكان له دور أساسي في استضافتها على مسرح أوليمبيا الشهير في باريس في العام 1967، وظل على تواصل دائم معها حتى وفاتها".
كما ارتبط بعلاقة وطيدة مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وجمعتهما لقاءات عدة في باريس في ثمانينيات القرن الماضي. والأمر نفسه مع عبدالحليم حافظ، والتقيا كثيرا في باريس حتى وفاة العندليب الأسمر.
أزنافور الذي خاض غمار السينما بالتمثيل في 80 فيلما مع مخرجين كبار من أمثال فرنسوا تروفو وكلود شابرول، وغنى كذلك في أعرق قاعات ومسارح العالم، لم يكن طريقه معبدا ومشواره يسيرا، بل كانت بدايته صعبة لمحدودية صوته والانتقادات اللاذعة لقصر قامته، إذ لم يزد طوله على متر و65 سنتيمترا، لكنه تحدى الصعاب وتغلب عليها وتمكن على مدى ستين عاما من رفع الأغنية الفرنسية على أهم مسارح العالم.
وفيما كان كثيرون من جيله أو حتى من هم أصغر منه يفكّرون في الاعتزال، كان أزنافور يصدر الأسطوانات والكتب بحماسة، ويحيي الحفلات في أنحاء العالم. وفي العام 2011 قال قبل شروعه في تقديم 22 عرضا وهو في سن 87 عاما "لم أقل قطّ كلمة وداعا للعمل".
حين استعرض أزنافور في الآونة الأخيرة مسيرته، قال بتواضع الكبار: "عشت مسيرة فنيّة لم تكن متوقّعة، لكنها نموذجية.. إنه الحظّ".
في الحقيقة، ليس الحظّ وحده الذي أوصل أزنافور إلى هذه الشهرة الطاغية وجعله من أهم رموز فرنسا، بل هي الموهبة والإرادة والتحدي. إذ اقتحم عالما كان يُعيب الكثيرون فيه عليه قصر قامته وإمكانيات صوته المحدود، لكنه تحدّى كلّ ذلك وصار عملاق الأغنية الفرنسية.