استعمار الأندلس
مندهش من هذه الازدواجية الكامنة فى ثقافتنا العربية، فنحن ندين الاحتلال الصهيونى الاستيطانى لفلسطين، بل ويطالب بعضنا، ومنهم عصام العريان، اليهود المستوطنون بأن يعودوا إلى الأوطان التى جاؤوا منها. فقد استوطنوا بلداً ليست بلدهم وأزاحوا منها سكانها الأصليين، وأقاموا دولتهم، فى حين أن بعضاً منا يفخر باحتلال بعض العرب والمسلمين واستيطانهم أرضاً ليست أرضهم وإقامة دولة الأندلس، برغم أن كلاهما احتلال استيطانى.
دعك من نوع الدولة التى أقامها المسلمون هناك، فحتى لو كانت جنة على الأرض فهى فى النهاية احتلال لا أجد فى الحقيقة أى داعٍ للفخر به، ولو فعلنا فعلينا أن نتصالح مع الذين يعيشون الآن فى إسرائيل، ونفخر بما فعلوه.
صحيح أن هذا أمر تكرر فى التاريخ، فلم يفعله المسلمون فقط، وصحيح أن الإمبراطوريات كانت تستند فى معظمها على الغزو بالجيوش وبالسلاح، هذا حدث فى العهود القديمة وفعله الغرب فى الأمريكتين وفى جنوب أفريقيا وغيرها لكنه فى كل الأحوال بدأ احتلالاً مسلحا مثل الأندلس. وأضر بالسكان الأصليين، منهم على سبيل المثال السود فى جنوب أفريقيا والهنود الحمر فى المنطقة التى أسموها فيما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد كان الغرب يسميها اكتشافات، وكأن شعوب هذه المناطق لم تكن موجودة أصلاً.
ليس هدفى الإدانة لمن أسسوا الأندلس وحكموها فهذه كانت طبيعة الزمن.. لكن المخجل هو أن يرفع بعضاً منا شعار العودة وكأن للمسلمين حقوقا فى إسبانيا فهذا غير صحيح، فمن بقى من المسلمين ولم يتم تهجيره قسراً أو هرب بدافع الرعب، فقد ذاب فى المجتمعات التى عاشت. وهذا حدث فى كل المناطق التى حدث فيها احتلال استيطانى مثل الأمريكتين، فقد ذاب السكان الأصليين مع من قدموا وكونوا دولاً وأوطان.
كنت أتمنى من الذين أحيوا الذكرى 521 لضياع الأندلس أن يستعيدوا القيم التى قامت عليها، وقد كانت سابقة لزمنها، واستفاد منها الغرب فيما بعد فى تأسيس نهضته، ومنها التسامح وحرية الفكر والإبداع وحرية الاعتقاد وغيرها وهى ذات القيم التى تواجه الآن خطر الإبادة من الذين يبكون على الأندلس، ويريدون تجييش الجيوش لغزو إسبانيا.