ترامب يبتز الملك سلمان.. ما هي خطة السعودية للبحث عن حليف جديد؟
لا يزال نهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمال السعودي قويا، لدرجة أنه تناسى سريعًا تلك الصور التي جمعته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نهاية مايو الماضي، وهما يبتسمان خلال التوقيع على صفقات تسّلح بقيمة 12.5 مليار دولار.
ترامب، الرئيس الذي لا يعرف للكلام الديبلوماسي طريقًا، تخلّى عن كل واجب للتحفظ أمام جمع انتخابي في ولاية فرجينيا الغربية، عندما طلب مالًا أكبر من الرياض نظير ما يقدمه لها من دعم عسكري: "قُلت للملك سلمان لديك تريليونات من الدولارات ومن دوننا الله أعلم ماذا سيحدث.. السعودية معنا في أمانٍ تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب"، يقول ترامب في تصريحاته الجديدة.
الرسالة واضحة، فهو يُظهر السعودية دولة غير قادرة على الدفاع عن نفسها دون دعم أمريكي، وهو ما فسرته وسائل إعلام مناوئة للرياض بأنه إهانة جديدة لهذه الأخيرة، خاصة أن ترامب سبق أن صرّح في أبريل الماضي، بأن هناك دولًا لن تبقى أسبوعًا دون الحماية الأمريكية، وأن عليها الدفع ثمنًا لهذه الحماية.
غير أنه عندما أطلق ترامب تصريحاته في أبريل الماضي حول الحماية الأمريكية، جاء الرّد بعد شهر بصفقات تسلّح جديدة بين واشنطن والرياض، قبل أن يكرر مطالبه مجددًا، المثير كذلك أن ترامب ذكّر الدعم المقدّم لكوريا الجنوبية واليابان، دون أن يذكر دعمًا مقدمًا لبلدان أخرى، وهو ما يمكن تفسيره أن ترامب يتجه إلى الدول الغنية المستورد للسلاح الأمريكي كي تدفع أكثر، بينما لا ينتظر الأمر ذاته من بلدانٍ أقل غنىً.
ابتزاز أمريكي للسعودية؟
ترى الرياض أن هناك عدوًا إيرانيًا يتربص بها على الدوام، لذلك ضاعفت في السنوات الأخيرة من صفقات الأسلحة، خاصة وأنها مقتنعة بوصول التهديد الإيراني إلى حدودها الجنوبية، متمثلًا في المتمرّدين الحوثيين الذين استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء، الحاجة السعودية للإدارة الأمريكية لا تتلّخص في السلاح فقط، بل كذلك لكبح جماح تيار داخل أمريكا يحمّل مسئولين سعوديين مسئولية أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وهو ما ظهر في قانون "جاستا".
هل تتوّفر السعودية على بدائل؟
يُدرك ترامب أن بلاده هي الموّرد الأول للسعودية في مجال التسلّح، وهو يرغب في الحفاظ على هذه المكانة لدرجة أنه مارس ضغوطًا كبيرة على السعودية حتى لا تشتري منظومة S400 من روسيا، رضوخ الرياض لهذه الضغوط، بيّن أن دائرة البدائل ضيّقة أمامها، وأن لا حلّ لها للاستمرار في صفقات تسلحها، خاصة مع إصرارها على الاستمرار في قيادة التحالف ضد الحوثيين، سوى الاعتماد على أسلحة واشنطن وحلفائها كلندن وباريس.
"من وجهة نظر سياسية، البدائل نادرة بالنسبة للسعودية" يقول سيباستيان سونز، محلّل من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، مشيرًا في حديث مع DW إلى أن الروابط التاريخية بين واشنطن والرياض "تعيق أيّ تقارب بين هذه الأخيرة وأيّ خصم آخر خاصة روسيا".
لكن من الناحية الاقتصادية، وعت الرياض بضرورة تنويع الشركاء بدل الاقتصار على الولايات المتحدة، وهو ما يؤكده سونز بقوله إن السعودية اتخذت منذ مدة هذا الخيار، بل واتجهت إلى خصوم اقتصاديين للولايات المتحدة، منهم روسيا والصين والهند، وما ساهم في هذه الخطوات، يتابع المتحدث، هو بدء السعودية في تنويع اقتصادها (خاصة رؤية 2030) بدل التركيز على النفط، وذلك في وقت أضحت فيه الولايات المتحدة أكثر اكتفاءً في مجال الطاقة، مستفيدة من مخزونها في النفط الصخري.
خلافات تؤدي لأزمة؟
رغم أن السعودية والولايات المتحدة ترتبطان بشراكة قوية منذ عقود، إلّا أن مؤشرات الخلاف ظهرت على الدوام بينهما، صعود ترامب إلى الرئاسة جعل المتتبعين يتنبئون بتذليل بعض الخلافات التي ظهرت بين الجانبين في فترة باراك أوباما، بيدَ أنه -ورغم البداية الوردية للعلاقات خاصة مع رقص ترامب فرحًا بعد حصوله على عقود من السعودية تجاوزت 500 مليار دولار- ظهرت ملفات خلاف متعددة.
من نقاط الخلاف أن واشنطن لا تنظر بعين الود إلى الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، إذ لا يرغب ترامب في دعم حرب كشفت التقارير الأممية عن هول تكلفتها الإنسانية، من نقاط الخلاف كذلك الفيتو السعودي الأخير على صفقة القرن، إذ كان ترامب يظن أن الرياض ستكون طرفًا أساسيًا في خطته حلّ النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي برؤيته الخاصة، وهناك كذلك استمرار الأزمة الخليجية التي تقول واشنطن إنها أثرت عليها سلبيًا في مجالات متعددة منها العسكري والمالي والأمني.
غير أن كل هذا الخلاف يبقى غير مرّشح للتحوّل إلى أزمة لأسباب متعددة، منها التخبط الكبير في سياسات ترامب الخارجية وفتحه جبهات توتر مع العديد من حلفاء بلاده التقليديين، لدرجة أن هناك دولًا عديدة تجاهلت تصريحاته بشأنها، وهو أمر يتوقع جمال خاشقجي أن يتكرّر حاليًا مع السعودية وكوريا الجنوبية واليابان. ومنها كذلك طبيعة المصالح التي تجمع بين السعودية والولايات المتحدة، خاصة أنهما يواجهان "عدوًا" مشتركًا في الشرق الأوسط هو إيران.
يوّضح سيباستيان سونز هذا الأمر بالقول إن إيران وسعت دائرة حلفائها وباتت تجمع تركيا وروسيا وحتى قطر، في وقت تعززت فيه جبهة معادية لإيران تجمع السعودية والإمارات والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة. ويظهر أن النجاحات التي باتت إيران تحققها في الشرق الأوسط على حساب السعودية، حسب ما يشير إليه سونز، بدءًا من الساحة السورية، ومرورًا بالعراق، وانتهاءً باليمن، رغم أن إيران لا تستثمر كثيرًا لتحقيق هذه النجاحات وفق قول الخبير، ستدفع بواشنطن والرياض إلى تكثيف التعاون والاستمرار في حلفٍ يواجه تحديات كبيرة.