رئيس التحرير
عصام كامل

وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (7)


أطالع كثيرًا مما روته كتب السيرة النبوية، والتفاسير المشهورة عن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسلم، فيُصيبني الدوار(!)؛ وأعجب كيف يقبل مسلم على نبيه مثل تلك الكلمات والتنبيهات والتلميحات، بل والتصريح؟! ألا نغار على نبينا؟!


من ذلك ما يُروى حول بعض غزواته، صلى الله عليه وآله، ومنها "أُحُد"، حيث يقال، زورًا وبهتانًا، إن الكفار خلصوا إلى الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بل وأصابوه، حتى سال دمه الشريف... إلخ(!) وتحكي التفاصيل، كما وردت في كل كتب السيرة، والتاريخ، مع تحفظنا الشديد، أنه:

"وصل العدو إلى رسول الله وأصابته حجارتهم حتى وقع وأُغمي عليه وخُدشت ركبتاه، فأخذ عليّ بيده، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وشُج في وجهه وكلمت شفته السفلى وكُسرت الخوذة على رأسه، وامتصّ مالك بن سنان الخدري دم رسول الله ثم ازدرده.

ثم أراد رسول الله أن يعلوَ الصخرة التي في الشعب، فلما ذهب لينهض لم يستطع لأنه ضعف لكثرة ما خرج من دم رأسه الشريف ووجهه مع كونه عليه درعان فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها، وعطش ﷺ عطشًا شديدًا، فخرج محمد بن مسلمة، رضي الله عنه، يطلب له ماء فلم يجد، فذهب إلى مياه فأتى منها بماء عذب، فشرب رسول الله ﷺ ودعا له بخير".

وفي بعض الروايات: أن "نساء المدينة خرجن وفيهن فاطمة بنت رسول الله، فلما لقيت رسول الله اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته وعليّ، رضي الله عنه، يسكب الماء فتزايد الدم، فلما رأت ذلك أخذت شيئًا من حصير مصنوع من البردى فأحرقته بالنار حتى صار رمادًا، فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم".(!).

وقال ابن هشام: "وذكر رُبَيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري، أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ، فكسر رَباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجّه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته، ووقع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأخذ عليَّ بن أبي طالب بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائمًا، ومصّ مالك بن سنان، أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم ازدرده، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من مسَّ دمه دمي لم تصبه النار".

هل يصدق عاقل، من أنس ومن جان، أن يحدث هذا لرسول الله؟! أمن هوانٍ على الله، والعياذ بالله؟! إن هذا لم يُبتلَ بمثله نبيٌّ ولا رسولٌ من قبل؟! هل يعقل أن يتكاثر الكفار بهذه الوحشية، ويخلصوا إلى رسول الله، ويفعلوا به كل ذلك؟! إذن فما الذي منعهم من قتله، إذا كان ذلك صحيحًا؟! وهل يجوز أن يسقط نبي الله في حفرة، تسقط ثنيتاه، فيصير حتى آخر عمره على الدنيا، ساقط الثنيتين؟!

هل يسري على خاتم الأنبياء ما يسري على سائر البشر؟! هل يقبل الله لنبيه أن يظل بـ"عاهة"، أستغفر الله؟! وللعلم فإن ادعاء "مصّ" دمه الشريف، لا يتحقق به "من مس دمه دمي"، لأن دمه، صلى الله عليه وآله وسلم، اختلط بلعاب الرجل وليس بدمه.
وقد ضعف علماء من صحة الأحاديث الواردة في تلك الوقائع.

ولا شك أنه من مبالغات الرواة، وليس ثمَّ مانع أن تكون من الإسرائيليات المدسوسة على كتب السيرة وكتب التاريخ. يكرر المؤرخون والرواة هذا الافتراء على صاحب الخلق العظيم، دون أن يطرف لهم جفن (!) فأين ذاك من قول الله تبارك وتعالى في محكم آياته، ووعده لرسوله: "والله يعصمك من الناس"؟!

ففي الحديث الشريف: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك"، الآية، أخبر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس، ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ. ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجبت! فقال: والله لأبديَنَّ عَقِبي للناس ما صاحبتهم.

حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال: لما نـزلت: " يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرسوني، إنّ ربّي قد عَصَمني.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نـزل منـزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة، فيَقِيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله! فرُعِدت يد الأعرابيّ وسقط السيف منه، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دُماغه، فأنـزل الله: "والله يعصمك من الناس".

بغض النظر عن مدى صدقية تلك الأحاديث وصحتها، فإن علينا إعمال العقل، والتأدب مع نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم، إن كنا نحبه بصدق وإخلاص، فلا نصدق كل ما يقال، ونكرر ترديد ما يسيء إلى صاحب الخلق العظيم، ويُوردنا موارد الهلكة؛ فإن ما نعانيه، ونَشكوا منه من ضيق الحال والبلاء والوباء إلا نتيجة لتخلينا عن الأدب مع سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وتَغافلنا عن فرضية توقيره وتعظيمه واحترامه.
الجريدة الرسمية