وزيرة الثقافة وبقايا الفساد
عمليات إعادة تدوير بقايا الفساد تجري على قدم وساق، حيث تستخدم بعض العناصر آليات النصب نفسها التي استخدمتها في عصور فائتة، ضاربة بذاكرة المصريين عرض الحائط، وعلى الرغم من أن هذه العناصر أفسحت لنفسها مكانًا رحبًا في قوائم الجريمة قديمًا وحديثًا.. فإنها كشفت عن وجهها القبيح لتَخرج من حيز السرية إلى العلن دون خجل، متناسية أحكامًا قضائية صدرت ضدها وفترات طويلة قضتها خلف القضبان، وثغرات قانونية استندت إليها للإفلات من قبضة العدالة، لكنها لم تنقذها من تجريس الرأي العام.
بقايا الفساد وجدت من يساعدها في عمليات التدوير، سواء بالمال أو بتوفير نوافذ إعلامية في قنوات أو صحف أو مواقع إلكترونية، ولا أفسد من متردد على ساحات القضاء والسجون بتهم الرشوة.. إلا مشتهي أدمن الاقتراب من دوائر صنع القرار للاستفادة منها، أو باحث عن دور انفض الجميع من حوله، أو متنازل عن مبادئه من أجل مال أو شهرة، أو من عاش حسرة انحسار الأضواء عنه.
عناصر الفساد من بقايا العصور الفائتة تسعى إلى الاقتراب من المسئولين، وتحرص على التقاط الصور مع الوزراء والمحافظين لإيهام من يلفظهم أنهم ما زالوا الأقرب لصناع القرار، قد تكلفهم الصورة ملايين الجنيهات، أو التنازل عن أعز ما يملك الإنسان، لكن حِرصهم عليها يفوق كل الحدود.
بعض المسئولين ضعفوا أمام نماذج من هذه العناصر فكان مصيرهم السجن، ونظرة على الحكم الذي يقضي بموجبه وزير الزراعة الأسبق عقوبته يتضح أن عنصر الفساد الذي قدم له الرشوة أفلت من قبضة العدالة باستناده إلى ثغرة في القانون، طلب القاضي من المشرع إعادة النظر فيها، لكنه (القاضي) لم ينف التهمة عن أحد من أطراف القضية.
بقايا فساد الأنظمة السابقة حاولت الإيقاع بالدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة مستغلة أخلاقيات تتحلى بها السيدة، وعازفة على وتر ثقافة تسعى لنشرها، ومستفيدة من شخصيات في ديوان الوزارة مكنتهم من أن يكونوا وجهًا لوجه مع الوزيرة دون اتفاق مسبق أو إذن بالدخول.
عنصر الفساد تسلل عبر آخرين إلى مكتب الوزيرة ومد يده لمُصافحتها أمام ضيوف كانوا في مكتبها، فاضطرت إلى مصافحته، ولأنه لا يبحث إلا عن الصورة.. كان أحد ذيوله جاهزًا بالكاميرا للحصول على اللقطة، التي وجدت نوافذ إعلامية لنشرها، ثم صارت حديث المدينة التي ينتمي إليها، ولم يتوقف الأمر عند اللقطة..
فقد انتهز الفاسد الفرصة وبالنيابة عن أهالي دائرته قدم طلبًا لإنشاء قصر للثقافة متضمنًا موافقة من المحليات التي وفرت قطعة أرض مساحتها خمسمائة متر، ومثل أي مسئول.. وافقت الوزيرة على الطلب وفقًا للوائح والقوانين، التي إذا سمحت يُرجأ الطلب للموازنة الجديدة.
تم تحويل الطلب إلى الجهات المختصة لفحصه وإخضاعه للوائح والقوانين، لكن الفاسد كان قد مارس هوايته والتقط صورة للطلب ليجد هو الآخر من يتولى نشره في بعض وسائل الإعلام، وبالصورة التي التقطها مع الوزيرة.. وبصورة الطلب الموقع منها.. ذهب الفاسد إلى دائرته ليُتاجر بما اقتنصه، خاصة أنه يخوض انتخابات مجلس النواب على مقعد أصبح شاغرًا بوفاة صاحبه.
ربما جانب الوزيرة الصواب عندما تعاملت مع الفاسد بأخلاقيات لا تناسبه، وربما يلتمس لها البعض العذر، لكن الأكيد أنها نادمة على المصافحة والمتاجرة بصورتها، ووفقًا للقاء جمعني بها.. علمت أن من سمح للفاسد بدخول الوزارة دون إذن، ومن مكنه من تصوير موافقتها التقليدية على طلبه، ومن رافقه حتى أدخله مكتب الوزيرة.. جميعهم أحيلوا إلى التحقيق، ووفقًا للوزيرة.. لا وجود لفاسد ولا تستر على فساد، والدليل على ذلك تلك الملفات التي قدمتها للنيابة الخاصة بوقائع فساد في هيئة قصور الثقافة.
ولأن الفاسد لم يكن يهمه سوى صورته مع الدكتورة إيناس عبد الدايم وصورة الطلب الموقع منها، ذهب إلى دائرته ليزف إليهم الخبر، متناسيًا أن اللوائح والقوانين التي تضمنها الطلب وحرصت عليها الوزيرة.. لن تمكنه من تحقيق حلمه بإنشاء قصر للثقافة، وأدعوه لقراءة السطور التالية إذا كان يجيد القراءة:
بعد أن أحالت الوزيرة طلب الفاسد إلى الجهات المختصة.. جاء الرد الأول من الدكتور أحمد عواض رئيس هيئة قصور الثقافة، حيث أكد في خطابه لرئيس قطاع مكتب الوزير رفض الإدارات الهندسية والقانونية للطلب لأن المساحة المخصصة لإنشاء قصر للثقافة لا بد أن تزيد على ألف ومائتي متر، والمساحة الواردة في الطلب خمسمائة متر فقط، وهي لا تكفي أيضًا لإنشاء بيت للثقافة أو مكتبة عامة، لذلك تم رفض الطلب لحين استيفائه للشروط، وهناك رفض آخر للأسباب نفسها من صلاح عبود رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية تم توجيهه للجهات المختصة.
وبناء على رفض كل الجهات.. طلبت وزيرة الثقافة توجيه خطاب إلى محمد شوقي بدر رئيس مركز ومدينة زفتى يفيد رفض الوزارة للطلب المقدم بإنشاء قصر للثقافة، لأن الشروط لا تنطبق على المساحة الواردة في الطلب.
هذه هي حكاية الوزيرة مع الفاسد الذي اعتقد أنه بأمواله مجهولة المصدر، ونوافذه الإعلامية المشكوك في نزاهتها.. قادر على غسل نفسه من عار سيظل يطارده، وعارٌ سيظل يُطاردنا إذا سكتنا عليه، وعار يطارد كل مسئول إذا سمح لهذا الفاسد بمصافحته، وعار على مجلس النواب أن يكون هذا النموذج عضوًا فيه، وعار على من فتح أمامه المجال ليحل ضيفًا في قناة أو كاتبًا في صحيفة، أو متحدثًا في ندوة، ومتآمرًا على الوطن والرئيس كل من يساعد في إعادة تدوير بقايا فساد أنظمة سابقة.
basher_hassan@hotmail.com