رئيس التحرير
عصام كامل

الدَيان لا يموت


يتحدث إلى جار المقهى «الأرعن» قائلا: «كنت خاطب واحدة، وهي الصراحة بنت حلال يا باشا قوي، بس دماغ أهلها وبالذات أمها سم، وبوظت الجوازة والبت غلبانة، ما تقدرش تخالف كلام أهلها، وأنا كنت بحبها لحد ما أمها قوت قلبها عليا وفشكلت الجوازة، وعايزين ياكلوا عليا الدهب بتاعي، بس وحياة أمي معايا اللي يفضح بنتهم ويوطي رأسهم».


نظرت إليه قائلا: «وأنت شايف أن ده من طباع الرجال إنك تشهر ببنت أحبتك، وائتمنتك على كلامها معك حتى لو كانت أذنبت وأسرفت، فتقوم أنت تشوه صورتها تماما وتوقف حالها، أنت شايف ده رجولة أو حتى فيه ريحة الرجولة؟».

نظر إليَّ متذمرا غاضبا: «أنت مش فاهم حاجة، وأنا هاعمل لها إيه أهلها هما اللي يستاهلوا الفضيحة، وزي ما خربوا على بنتهم، أنا كمان هاخد دهبي بطريقتي».

قلت له: «أترضاه لأمك أو أختك أو بنتك، أن يفضحن ويُفضح عرضك لو لا سمح الله فعلنَ مثلها؟».

أطرق رأسه ناظرا إلى نار شيشته الملتهبة، وقال: «لا طبعا، استغفر الله العظيم».

وأطبق الصمت على الجلسة، وتمتمت لنفسي بكلمات محدثا إياها: إننا جميعا، عرضة للسقوط في براثن الذنوب والمعاصي والأخطاء التي ندعو الله عز وجل أن يعفو عنا فيها، ويصفح وأن نتطهر منها، ولا ندعي فضيلة أو امتيازا بقدر ما نندم ونرجو الله أن يسترنا في آخرتنا كما يطبق علينا ستره الآن في دنيانا، وقد أكون أنا على رأس قائمة المحتاجين للمغفرة والستر، بما أسرفت وأخطأت.

وبادرت هذا الصديق بالقول: «كلمة لوجه الله وسأقولها لك، من شخص قد لا يكون تقيا وناصحًا لغيره بالقدر الكافي، وأخطأ في مراحل حياته مثل سائر البشر، إياك والخوض أو مجرد التلميح بالخوض في عرض أنثى لمجرد تصفية حسابات شخصية أو بدافع الغل وقصد التشويه، فمن تخوض في سيرته اليوم سيسلط الله عليك يومًا من يرده لك بالمثل، وربما من تتحدث عنهم بالسوء، هم أفضل وأنقى وأطهر عند الله منك، حتى لو كنت ترى ذنوبهم عظيمة».

وأكملت كلامي له قائلا: «من منا ليس له خطأ واحد؟ ومن منا ليس مكبلا بالعيوب والنواقص من رقبته؟ كلنا محاسبون أمام الإله القدير الواحد الأحد وسيُعاملنا بفضله وكرمه، فلا تبادر يا صديقي إلى التلميح بالعرض، حتى وإن كنت ترى أنك على حق، فليست قضيتك أن تتحدث عنها أو عن عيوبها بسوء، واحذر أنها ستحل عليك ديونا ولعنات إلى يوم الدين.

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل الحكيم: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).. ويقول أيضا: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).

وعن عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَال: صَعدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المنْبَرَ فَنَادَى فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ).

ويا من أردت التشهير بفتاة، كان بينك وبينها من الود ما جعلها تتحدث معك وتأمن إياك، لا تجعلها تندم مرتين، مرة على ذنبها معك ومرة على تَشهيرك بها، فيكفي ما كان بينكما وهو في علم الله وهو المحاسب عليه، ودعها إلى حال سبيلها في صمت وستر، واحترم الذي كان، وتذكر يا صديقي أن الديان لا يموت.
الجريدة الرسمية