رئيس التحرير
عصام كامل

«مروح ع فلسطين».. ملحمة فنية تجسد قضية أصحاب حق في الأرض والحياة

فيتو

عندما يضيق أفق التعبير السياسي، وتتوقف المفاوضات على طاولة المنظمات الدولية، لإيجاد الحلول لقضايا الشعوب، يرتفع حينها صوت، وتأثير الفن والقوى الناعمة لتراث الدول والشعوب، للتعبير عن معاناتهم.


وعلى وقع المأساة العربية الأقدم، وقضية الأمة الأولى، خلص شباب فرقة الحرية بمسرح جنين بفلسطين، استنادا على ما يملكونه من رسالة فنية آمنوا بها، وقضية تشتت وانقسام أمة، فرقها احتلال اغتصب الأرض، وهجر أهلها، إلى عرض «مروح ع فلسطين»، تأليف نبيل الراعي، وإخراج المخرجة البرتغالية ميكائيلا ميراندا، والذي شارك في اليوبيل الفضي، لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر.

بداية كوميدية ساخرة من شعارات الحريات وحقوق الإنسان التي ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية، وتدلل على ذلك باحتضانها لمختلف الثقافات والجنسيات حول العالم وتتحول أحداث العرض؛ لتروي قصة الشاب الفلسطيني «جاد»، والذي ولد بأمريكا لأسرة كغيرها من الأسر الفلسطينية في المهجر، والتي لا تزال تحتفظ وتتمسك بهُويتها.

ويدور حديث بينه وبين أخته عن أعمال وكتابات الكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفاني، ليتخذ الشاب قراره بالعودة والبحث واكتشاف وطنه الذي هجر منه هو وعائلته نتيجة احتلال غاشم، ويحمل وصية أخته بالبحث عن صديقتها «ريما شاهين»، وإيجاد وسيلة لتتواصل معها مجددا.

يحمل الشاب بعضا من تراثه، وشغفه، والذي لملمه بالكوفية الفلسطينية، متجها على متن طائرته من أمريكا إلى مطار بن جوريون في «تل أبيب»، لتبدأ حكاية الآلام والمعاناة التي يواجهها الفلسطينيون في وطن سلب منهم منذ سنين طويلة بمباركة دولية.

وعلى مدار رحلته تتردد على مسامعه مصطلحات وشعارات دائما ما يطلقها الكيان الصهيوني كـ«الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وغيرها وسط حالة من عدم الفهم التي تصيبه، يكللها احتجازه في مطار بن جوريون لقرابة 5 ساعات للتحقق من هُويته، نتيجة الإجراءات المشددة التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين.

فور وصول الشاب الفلسطيني الشغوف بوطنه، يتصل بأحد أقاربه القاطنين بمخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية، والذي يخبره بصعوبة مجيئه إليه نظرا للحواجز والموانع الإسرائيلية.

وبعد وقت طويل من البحث يعثر «جاد»، على سائق حافلة فلسطيني يوصله إلى المخيم، في رحلة طال بها الحديث عن الوطن قبل الاحتلال، ومآسي توابع حرب 48، و67 على شعبهم وأرضهم.

في نهاية المطاف، يصل «جاد»، إلى قريبه «محمود»، ليبدأ اكتشاف عالم المخيمات، والذي لم يكن يخطر بباله، على دوي إطلاق الرصاص الدائم بالمخيم في احتفالات العرس، مع انعدام ذلك عند هجوم الجيش الإسرائيلي على المخيم.

يبدأ «جاد»، محاولات اكتشاف وطنه، رفقة «محمود»، على أثر الحواجز والجدار العازل، الذي فرق بين الشعب الواحد، وتعنت الاحتلال، يجول في جبال ومستوطنات الضفة، كما يصل الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية.

ويبحث «جاد»، عن صديقة أخته ليقوده القدر، ويخبره أصدقاء «محمود»، أن عائلة شاهين التي تنتمي إليها «ريما»، تقطن مخيم الدهيشة في بيت لحم، ليذهب إلى أبناء عائلتها، والذين يؤكدون لها أنها تزوجت وسكنت حي الشجاعية في قطاع غزة.

ومن هنأ يبدأ العرض، ممزوجا بنغمات التراث الفلسطيني، تسليط الضوء على قضية التشتت، وتقطيع الأوصال الواحدة للشعب الفلسطيني، حينما يبحث «جاد»، عن كيفية ذهابه إلى غزة، لكن دون فائدة، لا أحد يعلم هل السفر إلى غزة ممكنا أم لا، أو بالأحرى أصبحت الفكرة بحد ذاتها دربا من الخيال.

وفي خضم ذلك تستقبل الشاب الفلسطيني، أسرة من مخيم الدهيشة، ليقيم عندها، ويعتاد أصوات طيران الاحتلال وقنابل الغاز، ورفقة الشاب «مالك»، أحد أبناء الأسرة يكتشف مجددا كيف يتمسك الفلسطينيون بأرضهم ووطنهم رغم كل تلك الويلات.

وفي إحدى هجمات جيش الصهاينة على المخيم، يستشهد «مالك» بين يدي «جاد»، برصاص الاحتلال، وتتحول جنازته إلى تظاهرة ومحفل ضد ممارسات العنصرية الباغية وسط مشاعر مختلفة يبدأ الشاب بالشعور بها تجاه وطنه ليسدل في رسالته التي يرسلها إلى أخته فصل النهاية في قضية العرض.

كتب «جاد»، لأخته في رسالة مؤثرة ما شاهده خلال فترة بقائه بوطنه، وكيفية معاناة أبناء شعبه، وإصرارهم على البقاء على أرضهم، متابعا: «أنا عرفت «ريما» وينها.. بس لا أحد يعلم كيف السبيل إلى غزة».

ويتابع في الرسالة التي تجسد مشهد نهاية العرض، «استقبلت بعيلة من مخيم الدهيشة.. مالك رفيقي مات.. كان بإمكانه ينقذ نفسه وما ينزل لجيش الاحتلال.. لكنه نزل ناضل.. أنا مو راجع ع أمريكا.. وبتمنى تيجي أنتِ وعيلتي كمان.. هي قضية شعب.. قضية استحقاق الوجود».
الجريدة الرسمية