الأوامر المنسية من القرآن (22)
ما أكثرها أوامر الله المباشرة الصريحة في التنزيل الحكيم التي تراجع اهتمام الناس بها لمصلحة الاهتمام بأوامر الشعائر والعبادات.. رغم أن أكثرها أنزل لتنظيم شئون عباد الله بالاهتمام بالمعاملات بينهم وتنظيمها..
اليوم نستكمل الرحلة.. رحلة التذكير بهذه الأوامر المنسية فالذكرى تنفع المؤمنين.. ونتوقف عند قوله تعالى في الآية 267 من سورة البقرة "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض".. وفيها أمر مباشر وصريح بالإنفاق من القادرين عليه..
وكما تعودنا في منهج التعامل مع آيات كتاب الله العزيز حيث نعتبر الآيات تقصد المعنى العام لها وتقصد كل المسلمين في كل زمان باعتبار كتاب الله دستورهم ومنهاجهم جميعا وليس لمسلمي صدر الإسلام وحدهم ولذلك وبعيدا عن ما قيل عن أسباب نزول الآية ـ مع كل الاحترام والتقدير لعلم أسباب النزول ـ وما قيل إنها نزلت في الأنصار وقصة وضعهم للتمر في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام ليأكل منه فقراء المهاجرين إلا أننا نرى أن الآية يتوفر فيها عدة شروط..
الأول ما قلناه من أمر مباشر بالإنفاق.. الثاني أن ننفق من أفضل ما لدينا ووصفه الله بـ"الطيبات" وعندما يقول سبحانه في آية أخرى "حلالا طيبا" نفهم أن المراد أن ننفق من المال الحلال الذي رزقنا منه الله.. وعندما نتأمل قوله تعالى في آية أخرى "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" نفهم أيضا أن الإنفاق الحقيقي يكون مما نحب وليس مما لا نقبله لأنفسنا.. ولذلك مدح هؤلاء رب العزة في آية ثالثة "ويؤثرونه على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"..
ومن هنا تأتي قيمة الإنفاق الحقيقة.. وليس كمن يمنح فقيرا طعاما لمجرد أنه فسد عنده أو أوشك على أن يفسد ويصبح غير صالح للاستهلاك الآدمي.. فذلك كمن يتصدق بنقود مزيفة لا مشقة فيها ولا كلفه التخلي عنها!
رب العزة يقول "ومما أخرجنا لكم من الأرض" واعتقادنا أنها لاستكمال دائرة الإنفاق.. من اكتسب مالا أو من حصد مِن زرع أرضه.. وبذلك يدخل كل الأغنياء في مظلة الأمر القرآني.. من اكتسب مالا من التجارة أو من البورصة أو من الصناعة أو من المقاولات وكل مال مكتسب وكل من زرع أرضا وحصد منها!
وكل رافض للإنفاق والتصدق على المحتاجين والفقراء آثم عاص لأوامر الله المباشرة الصريحة.. عافانا وإياكم من أن نكون من بين هؤلاء!