رجل في مهمة صعبة
اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة ليس جديدا على العاصمة، فهو أدرى الناس بشعابها، ويعرف جيدًا تفاصيل قد لا نعرفها؛ فقد عمل بها ضابطًا صغيرًا بقسم الجمالية، وتدرج في عدد من المهام والمواقع التي جعلته يدرك تفاصيل دقيقة عن العاصمة؛ فمهمة رجل الأمن هي البحث في التفاصيل للوصول إلى الحقيقة، وقد جاء تعيينه محافظا للقاهرة وسط موجة من التفاؤل، بعد أن وصلت الأحوال في عهد المحافظ السابق إلى ما لا يمكن تصوره من إهمال وفوضى لم تشهدها قاهرة المعز من قبل.
ندرك أن مهمة اللواء خالد عبد العال ليست سهلة، ولكنها مع خبراته لن تكون مستحيلة، وإعادة انضباط شوارع العاصمة واحد من الملفات الصعبة، بعد أن أصبحت الفوضى واقعًا مخيفًا ومرعبًا، وتحتاج إلى تضافر جهود مؤسسات المجتمع المدني لمساندة الرجل في مهمته الصعبة، وكما يقول المثل الشعبي "الإيد الواحدة ما تصقفش" ويد الحكومة مغلولة بما أصابها من رعشة، وعدم توافر الإمكانيات والفساد المستشرى في الأحياء.
ومما لا شك فيه أن عبد العال جاء إلى موقعه بعد سنوات من وقائع ترييف العاصمة(جعلها ريفية) بشكل مزعج، والانتقال مرة أخرى لمجرد العودة إلى ما كانت عليه العاصمة أمر غاية في الصعوبة، ولن يتم بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى جهود مضاعفة، وأفكار من خارج الصندوق وعمل دءوب وإرادة حقيقية في مواجهة الفوضى التي أصبحت واقعا مزريا ومخيفا، وتضافر جهود عدة وزارات تخطط لإعادة البهاء إلى القاهرة مدينة السحر والغموض والتاريخ التليد.
لن نعدد لمحافظ القاهرة مشكلاتها، فهو أدرى بها أكثر منا، ولكننا نعيد على ذاكرته بعض الأفكار التي يمكن أن نساهم فيها، وعلى رأسها مشروع الراحل العظيم الدكتور عبد الرحيم شحاتة الذي كان يخطط لإفراغ وسط العاصمة من السيارات، وتحويل معظم شوارعها للمشاة، وأهم هذه المناطق حي الحسين، وتكرار تجربة شوارع الألفي والبورصة وغيرها لنفض الغبار عن جماليات هذه الشوارع، وإتاحة الفرصة أمام المواطنين والسياحة الداخلية والخارجية؛ للاستمتاع بعاصمة كانت الأجمل والأبهى على مستوى العالم كله.
"أجمل شارع في الحي" مسابقة يمكن إطلاقها بين أحياء العاصمة.. فكرة يمكن للمواطنين المساهمة فيها، ولنتصور أن بكل حي شارعًا ينافس شوارع الأحياء الأخرى.. لبنة لنشر الجمال ومواجهة القبح الساكن في الشوارع، وعلى الأرصفة، ولتكن القاهرة بقيادة عبد العال دليلًا للمحافظات الأخرى في مواجهة أسوأ إهانة تواجهها مصر في تاريخها الحديث.. مواجهة ثقافة الــ"توك توك"!
"يوم دون كلاكسات".. مشروع بسيط يمكن أن نبدأه بدعوة الناس إلى عدم استخدام آلات التنبيه كل جمعة، لمواجهة الضوضاء الرهيبة ومعها يمكن إطلاق مشروع شوارع دون إعلانات لمواجهة الضوضاء البصيرة المهينة، فحق الرؤية البصرية مشروع تم تنفيذه بشارع الهرم بالجيزة، وقد نجح نجاحًا مبهرًا، كما يمكن توحيد اللافتات من حيث المساحة والحجم والألوان والأبناط لإعادة الرؤية المريحة، وليكن ذلك تطبيقا على بعض الشوارع والمناطق، وكما ينتشر القبح سينتشر الجمال بلا جدال.
"الإقامة الجبرية للتوك توك".. لتكن مرحلة أولية بأن نحدد للتوك توك إقامة جبرية، ونمنعه من الوصول إلى الشوارع الرئيسية والميادين ومن ثم نحد من تغوله وسيطرته ونشره لثقافة الأرباح السهلة التي جعلته مشروعا وهميا، تسبب في زيادة التسرب من التعليم، وهجرة العمالة الماهرة، واختفاء الصنايعية من الأسواق، خاصة أنه يحقق أرباحا خيالية دون خدمة حقيقية يقدمها للناس.
هذا قليل من كثير يمكننا أن نساهم فيه نحن سكان العاصمة، على أن أول قرار يمكن للسيد الوزير المحافظ أن يتخذه هو إزالة كل أكشاك وزارة الداخلية المصنوعة من الصاج والمنتشرة بكل الميادين والشوارع، والتي تعد أسوأ دعاية ضد وزارة الداخلية نفسها من حيث الشكل والقبح والإهانة!