رئيس التحرير
عصام كامل

الجامعة العربية: قضية فلسطين تتعرض لهجمة شرسة.. لن نفرط في القدس واللاجئين.. الحوثيون وإيران يعقدون حل أزمة اليمن.. عصابات تقتات على الفوضى في ليبيا.. ونريد عودة سوريا إلى العرب

أحمد أبو الغيط، الأمين
أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية

 تطرق أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، اليوم الثلاثاء، إلى جميع ملفات المنطقة الملتهبة، ومناطق الصراع التي تدعو للقلق الشديد خاصة في سوريا وليبيا. 

القدس واللاجئين 

وقال أبو الغيط، خلال كلمته اليوم في الدورة الـ150 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري المنعقد بالقاهرة: إن العرب والفلسطينيين لم يرفضوا التفاوض، ما نرفضه اليوم هو تفريغ التفاوض من مضمونه بإبعاد القدس وقضية اللاجئين عن الطاولة". 

وأكد أن القضية الفلسطينية تتعرض لمؤامرة كبيرة، مطالبا بحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرارات الدولية. 

سنوات الشدة 

وأضاف، تستمر سنوات الشِدة العربية، ويتواصل في ذات الوقت صمود العرب في مواجهة التحديات والمخاطر.. مازالت الأوضاع في مناطق الصراع تدعو للقلق الشديد، بل وتتصاعد خطورتها، كما في الحالة السورية، ومؤخرًا في ليبيا.. على أن الأسوأ قد يكون وراء ظهورنا. 

فقريبًا سوف يحل وقتُ مداواة الجراح وإعادة البناء وعودة اللاجئين لديارهم، وإعادة إعمار ما تهدم، واستعادة روح الأمل والتحدي. جحافل داعش مستطردا في كلمته، ها هي المدن التي دنستها جحافل العصابات الإرهابية الداعشية تتنفس نسائم الحرية من جديد. 

وها هو العراق يُحقق نصرًا غاليًا، ويُجري انتخابات تُعزز استقراره وسيادته على كامل التراب الوطني.. إن قوى الإرهاب ما زالت كامنة في الأركان، وخلاياه رابضة في الشقوق.. غير أن قدرتنا الجماعية على مواجهة هذا الفيروس الخطير قد تعززت بعد أن صارت لدى مجتمعاتنا إرادة النصر والصمود ودحر الإرهاب واستئصال شأفته.. 

وسيذكر التاريخ بكل الفخر التضحيات التي سطرها أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية للدول العربية كافة في هذه المرحلة الخطيرة، من أجل الدفاع عن أمننا وإنسانيتنا في مواجهة مغول العصر. 

هجمة شرسة 

وشدد أمين عام جامعة الدول العربية، على أن القضية الفلسطينية تتعرض لهجمة شرسة ما زالت فصولها تتلاحق أمام أعيننا، وثمة رغبة أمريكية غير مسبوقة في إفراغ القضية من محتواها القانوني والسياسي والتاريخي والإنساني؛ ونقول في عبارة واضحة: ماذا يتبقى من القضية الفلسطينية إذا أبعدت قضايا القدس واللاجئين من الطاولة؟ علام يتفاوض الفلسطينيون إذن؟ أي معنى يبقى لحل الدولتين الذي أيدته القمة العربية ويسانده المجتمع الدولي؟ اليوم يجري نعت القيادة الفلسطينية بالتصلب والتعنت، يقولون إنها ترفض صفقة لم تُعرض عليها بعد، ولكن المؤشرات والدلائل ماثلة أمامنا جميعًا، هي ليست شكوكًا في النوايا، ولا رجمًا بالغيب، وإنما جملة من الأفعال والسياسات والتصريحات تواترت وتلاحقت عبر العام الماضي، فقد جرى الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، في تحدٍ للإرادة الدولية، وليس فقط العربية أو الفلسطينية، واليوم تنفض الولايات المتحدة يدها من الأونروا، مطالبة بتفكيكها واستبدالها. 

هدف مكشوف 

مؤكدا، أن الهدف مكشوف ويتجاوز مسألة المساهمة المالية إلى التشكيك في شرعية الأونروا ذاتها –وهي منشأة بقرار أممي- وضرب مصداقيتها، تمهيدًا للتشكيك في قضية اللاجئين برمتها، وكأن من أخرجوا من ديارهم قبل سبعين عامًا كانوا أشباحًا، وكأن أبناءهم وأحفادهم فقدوا الحق في الوطن الذي طرد منه الآباء والأجداد، لو أن الأمر بهذه البساطة، ولو أن التاريخ يُكتب بهذه الصورة المجحفة، فعلام كان الصراع من الأصل؟ أليست القضية الفلسطينية، في جوهرها وأساسها، قضية أرض اغتُصبت وشعب شُرد لاجئًا ونازحًا؟

 ولفت الأمين العام للجامعة العربية، إلى إن الموقف العربي واضح من قضية اللاجئين، وسقفه هو المبادرة العربية للسلام التي تبنتها القمة العربية في مارس 2002 بهدف "التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194"، مع رفض كل أشكال التوطين، لم يرفض العرب أو الفلسطينيون التفاوض بل هم سعوا إليه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ما نرفضه اليوم هو أن يُفرغ التفاوض من أي مضمون، وتُغلق قضاياه الرئيسية واحدة تلو الأخرى قبل أن يبدأ الحديث حولها، فهذا ليس تفاوضًا بأي حال، وإنما فرض لإرادة طرف، وترسيخ لواقع الاحتلال. 

مكتب منظمة التحرير 

وعرج أبو الغيط على قرار واشنطن غلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، قائلا: يخطئ من يظن أ، الفلسطينيين يقفون وحدهم، يُخطئ من لا يُدرك دلالة تسمية القمة العربية الأخيرة في الظهران بقمة القدس، حقيقة الأمر أن من يريد عزل الفلسطينيين لا ينجح سوى في عزل نفسه، ها هي الإرادة الدولية تجتمع في يونيو الماضي على استصدار قرار أممي (بتأييد 120 دولة واعتراض ثمانية دول فقط) يدعو لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني بعدما تعرض أبناؤه من المتظاهرين السلميين للقتل بدمٍ بارد على يد قوات الاحتلال، وها هي إٍسرائيل تتراجع عن مسعاها في الترشح للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن بعد أن وجهت بحقيقة الرفض الدولي لمسلكها وسياستها، وأخيرًا، ها هي دولة من أقصى الأرض تضع المبادئ قبل المصالح، والحق فوق القوة. 

شجاعة باراجواي 

في 5 سبتمبر الماضي قررت الحكومة الجديدة في باراجواي الرجوع عن قرار اتخذته الحكومة السابقة بنقل سفارتها إلى القدس، دعوني أحيي باسم هذا المجلس باراجواي ورئيسها الجديد "ماريو عبده" الذي بادر –بشجاعة واستقامة- إلى تصحيح الخطأ، وأعاد الأمور إلى نصابها.. وقد أرسلتُ له كتابًا بالأمس أشد فيه على يده، وأعبر له عن مشاعر العرفان والتقدير التي يحملها العرب جميعًا لهذا القرار النبيل. 

وأكمل: إن الفلسطينيين سيخوضون معركتهم كما عودونا، بصلابة وإقدام، وهم يحققون انتصارات حقيقية على ساحة الدبلوماسية والرأي العام العالمي، لا أحد في العالم يُقر بتفكيك منظمة ترعى نصف مليون طفل لاجئ في المدارس، وخمسة ملايين إنسان يحتاجون العمل والعلاج والغذاء، ولا أحد يقبل المنطق الإسرائيلي العنصري الذي يربط حقوق المواطنة بالديانة اليهودية، فيسلب 1.8 مليون إنسان من فلسطيني الداخل حقهم في أن يكونوا مواطنين كاملي المواطنة، الضمير العالمي يأبى الإقرار بهذه المظالم، ونحن نراهن على أن يظل الاحتلال معزولًا ومكروهًا من الجميع. 

الدم السوري 

ونوه أمين عام جامعة الدول العربية، إلى استفحال بعض الأزمات بالمنطقة، مشيرا في هذا السياق إلى أن الوضع في سوريا يدمي قلوبنا، حيث السكان المدنيون في إدلب محاصرون بين سندان الإرهاب الأسود ومطرقة النظام وحلفائه، لا أحد منا يرغب في ضياع سوريا الوطن، ولا أحد منا يريد لسوريا الدولة أن تربح الحرب وتخسر الشعب، كلنا يريد استعادة سوريا العربية التي نعرفها، بتركيبتها السكانية التي نعرفها، باستقلالها الحقيقي من دون تبعية أو تدخل خارجي، لا مخرج حقيقيا سوى بمصالحة جادة تشمل المجتمع بكل أطيافه وطوائفه إلا مع من مارس منهم الإرهاب واستحل الدم، لا بديل عن عملية سياسية يشترك فيها الجميع، وتجد فيها المعارضة المدنية المعتدلة تمثيلًا حقيقيًا، تحت مظلة الأمم المتحدة والقرار 2254. 

محادثات اليمن 

وعلى صعيد الأوضاع في اليمن، أكد «أبو الغيط»، أن الوضع في اليمن ما زال يعكس إصرارًا من ميليشيات الحوثيين، مستندين إلى حلفائهم في طهران، على التمترس خلف موقفهم الانقلابي ورفض أي حلول وسط، حتى إنهم استنكفوا الحضور إلى المحادثات التي دعا إليها المبعوث الأممي في جنيف قبل أيام متذرعين بحجج واهية، إنهم يتحملون المسئولية عن معاناة الشعب اليمني، ويمثلون خطرًا داهمًا على الأمن العربي-خاصة في منطقة البحر الأحمر- يتعين الاستمرار في مجابهته والتصدي له. 

الوضع في ليبيا 

ونالت أزمة طرابلس الليبية، حصتها في كلمة الأمين العام، مبينا: أن الوضع في ليبيا، تعرض مؤخرًا لانحدار جديد إلى العنف في طرابلس، وبما يبعدنا أكثر عن تحقيق التوافق الدستوري وعقد الانتخابات المنشودة، ومن الجلي تمامًا أن هناك ميليشيات وعصابات تقتات على الفوضى وتسعى إلى تمديد حالة الصراع لأنه لا حياة لها بغير استمرار فوضى السلاح وغياب السلطة والنظام العام.. هؤلاء الانتهازيون يتحملون النصيب الأكبر من معاناة أهلنا في اليمن وليبيا. 

أحداث مهمة 

وفى سياق أشكال التعاون العربى مع العالم الخارجي، نوه في كلمته إلى آخر حدثين مهمين في هذا الأمر، الأول، هو منتدى التعاون العربي الصيني الذي عُقد في بكين خلال شهر يوليو الماضي، وانتهى إلى الخروج بإعلان بكين، وإعلان تنفيذي عربي-صيني يتعلق بمبادرة الحزام والطريق. 

مؤكدا أن هذه الشراكات تفتح خيارات وإمكانيات أمام الاقتصادات العربية والاستثمارات العربية والقدرات البشرية العربية.. وتعطينا الفرصة للتحدث مع شركائنا ككتلة واحدة، مما يمنحنا ثقلًا ووزنًا. 

ودعا إلى بذل أقصى الجهد في التحضير الجماعي الجيد للقمة الاقتصادية القادمة في بيروت يناير المقبل، وأتصور أنه من المهم الحفاظ على دورية انعقاد القمة الاقتصادية كل أربعة أعوام، ذلك أن المرحلة القادمة تستوجب توجيه العمل العربي الجماعي بشكل أكبر إلى هذا الجانب، سواء فيما يتعلق بتعزيز التعاون الاقتصادي أو تحقيق الربط بين خطط التنمية المختلفة، أو تنسيق الجهد المشترك لإعادة الإعمار. 

تمويل الجامعة 

وتطرق أبو الغيط، إلى الجهود التي تبذلها الأمانة العامة للجامعة العربية، التي تسعى بكل ما أوتيت من جهد، وما توفر لها من إمكانيات إلى الحفاظ على هذه القنوات الضرورية للتنسيق العربي الذي يشمل مجالات أوسع كثيرًا وربما أبعد أثرًا من السياسة. 

ودعا الدول العربية ألا تضع الأمانة العامة في موقف العجز أو التقصير، بسبب غياب الإمكانيات أو ضعف الإرادة، إننا نُشارف نهاية عامنا هذا، ولم تتلق الأمانة سوى أقل من نصف مساهمات الميزانية، وهو موقف لابد وأن يزعج كل حريص على العمل العربي المشترك، وكل من يعرف قيمة هذا العمل وتكلفة غيابه أو تراجعه.
الجريدة الرسمية