رئيس التحرير
عصام كامل

الطرمخة


في العامية المصرية تفسر "الطرمخة" على أنها إخفاء فضيحة عمدا، أو التستر على شيء سيئ عن قصد، وهي في المفهوم الشعبي تعني أن هناك من أراد عدم كشف فضيحة بعينها عن طريق التستر عليها، يقال "طرمخ على الأمر" أي بذل مجهودا كبيرا لإخفاء فضيحة أو فساد إداري أو شيء من هذا القبيل، وفي المفهوم الإداري المصري الخالص إذا أردت أن تغطي على فساد فلتشكل له لجنة.


وقضية "فيتو" مع ملف مستشفى ٥٧٣٥٧ تندرج تحت هذين النوعين من إخفاء الحقيقة، حيث شكلت الجهات الرسمية لجنتين، وليس لجنة واحدة، إحداهما لجنة وزارية أمرت بتشكيلها الدكتورة غادة والي، وهي لجنة فنية مالية كُلفت بإصدار تقريرها حول ما أثرناه- ولا نزال نكتب فيه- حول مخالفات مالية خلال أسبوعين.. مضى قرابة الشهرين، ولم تصدر اللجنة المعنية بالأمر تقريرها، أما اللجنة الثانية فهي لجنة تضم عددا من علماء الطب شُكلت للتحقيق في قضية التجارب السريرية، ولا نعرف ماذا فعلت حتى تاريخه؟!!

ورغم أن "الطرمخة" جزء من ثقافة الإدارة المصرية، فإننا لا نتصور أبدا أن يستمر الوضع الآن في ظل نظام نراه يقبض على الوزراء والمحافظين وكبار المسئولين في قضايا فساد، ولا نعتقد أيضا أن الأمر يستقيم باستمرار إخفاء الحقيقة حول مخالفات الإدارة بمستشفى ٥٧، إذ إنه أيضا من غير المنطقى أن يكون هناك في البلاد من هو فوق القانون، أو أن الدولة تخشى من شيء، أو أن هناك من يسعى- لا سمح الله - إلى دفن الحقيقة.

ودفاعًا عن سمعة الدكتور شريف أبو النجا بطل مسلسل الحلقات التي كشف فيها الكاتب الصحفي أسامة داوود ما نتصور أنه فساد، أو تخبط إداري أو إدارة غير رشيدة، فإننا نطالب بإعلان الحقيقة للرأي العام المصري؛ حفاظا على سمعة الرجل وتاريخه، وما يتصور هو نفسه أنه عمل خيري، قاده خلال سنوات طويلة ليس في مصر فقط، وإنما امتد هذا العمل ليصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

ولأن مستشفى ٥٧ واحد من أهم الصروح الطبية التي قامت على أكتاف المصريين ومن جيوبهم وقروشهم البسيطة، فإن الأمر يفرض علينا ألا نصدق أن يكون هناك "طرمخة"- لا قدر الله - في هذا الأمر، خاصة أن الأمر يتعلق بثقة الناس وحقهم في معرفة مصير أموالهم وحلمهم ومشروعهم الذي ابتنوه بما تصوروا أنه عمل خيري خالص لوجه الله والوطن.

ونحن على يقين أن الدولة التي لم تتستر على وزير أو محافظ فاسد، لا يمكن أن تسكت أو تصمت على فساد، إن وجد في مشروع المصريين البسطاء قبل الأغنياء، كما أننا على يقين أن الدكتور شريف أبو النجا لا يمكن أن يكون أكبر من القانون، أو أن قدراته أكبر من آلة حصد الفساد التي طالت كل زاوية في البلاد، فلم تخش تأثير فضائح الفساد على بنيان النظام الجديد، أو قدراته أو مكاشفته للناس بما يدور في بر مصر.

وإذا كان الصمت المطبق الذي ساد خلال الفترة الماضية، وسكوت وزير التضامن، وعدم إعلانه نتيجة لجنة نشكك في حياديتها أساسا، وعدم إعلان نتائج اللجنة الطبية برئاسة عالم جليل نعرف تاريخه جيدا.. إذا كانت كل هذه العوامل تثير في النفس شكًا؛ فإننا على يقين أن الحقيقة هي حق الناس، وإعلانها أيا كانت ملامحها ونتائجها من شأنه أن يبث في نفوس الجماهير قدرا كبيرا من الثقة، كما أننا على يقين أن السيد النائب العام سيصدر أوامره بالانتهاء سريعا من بلاغنا الذي قدمناه للوقوف على الحقيقة؛ حفاظا على سمعة الدولة المصرية وليس مستشفى ٥٧ وحده!!
الجريدة الرسمية