الحقيقة الضائعة في مستشفى ٥٧٣٥٧
ما عند الله أبقى.. تذكرت الراحلة العظيمة علا غبور وإطلالتها البهية التي أنجبت على إثرها صرحا مصريا عظيما، باقيا، شامخا يؤدى دوره الذي رسمته بمعاناة نادرة في حربها من أجل أطفال مصر، فكان البناء الشاهق مستشفى ٥٧٣٥٧ الذي يفيض خيرا بحكمة الصدق التي أطلقتها صاحبتها قبل أن تغلق باب الحياة خلفها وترحل، تذكرت هذا الاسم الخالد بيننا عندما عرض علينا الزميل أسامة داود ما جمعه من مستندات ووقائع تختلط بشبهة الإدارة غير الرشيدة في تبرعات المصريين.
عقدت اجتماعا مع زملائى في مجلس التحرير، وقررنا أن نخوض معركة من أجل العمل الخيرى الأزهى في عصرنا الحديث، عقدنا النية على الوصول إلى الحقيقة دفاعا عن قروش قليلة يجود بها المصريون في عمل إنسانى نادر، وفى زمن عز فيه العطاء، وكان هاجسنا أن نفرق بين انتقاد إدارة غير رشيدة وبين بناء نحرص عليه ونسعى لنموه وتطويره والدفاع عنه، فلم نكتب حرفا واحدا ضد المستشفى كعمل عبقرى مصري، وتوجهنا باستفسارات طالت إدارة المستشفى.
لن أبوح بما تلا ذلك، ففى فمى ماء، إذ إن المنطقى بعد نشر الحلقة الأولى التي فجر فيها أسامة داود ملفا شائكا حول طرق الإنفاق داخل هذا الصرح العظيم ودوامة الأرقام المفزعة التي قدم لها قراءة من واقع ميزانية المستشفى، كان من المنطقى أن تسعى إدارة المستشفى لاحترام الرأى العام والإجابة بكل شفافية عن استفهامات أسامة، وحتى لا تختلط الأوراق كتبت على بوابة «فيتو» الإلكترونية مقالا تناولت فيه قصة طفل مصرى ينتمى إلى أسرة بسيطة، وكيف تعامل معه المستشفى برقى في مراحل علاجه، غير أن تناولى هذا لم يكن له علاقة باستفسارات يجب أن يحظى الرأى العام بالإجابة عنها.
بُح صوتى من الرد على الهاتف دون كلل أو ملل، أنا أشرح لكل من هاتفنى أن المستشفى ملك للمصريين، وأن هذا الشعب ببسطائه ورجال أعماله وطبقته الوسطى هم مُلَّاك المستشفى، وأن أي شخص يعمل به إنما يعمل لدى المصريين، فإن جد شيدنا له تمثالا، وإن حاد عن الصواب أتينا بغيره ليراجع الملفات ويبث الطمأنينة في قلوب الناس، وينشر ميزانيات هذا الصرح العظيم على الملأ إذعانا لصاحب الإنجاز، وهو الشعب أولا وأخيرا.
لم يسع إلينا الدكتور شريف أبو النجا رئيس مجلس الأمناء، بل سعيت أنا شخصيا للقائه، والتقينا فعلا، ولأن في فمى ماء فإننى لن أبوح بما دار، غير أن الأصل في الموضوع هو طلبى وبإلحاح أن يجيب عن استفسارات التحقيق الصحفى المنشور، الدكتور شريف أبو النجا رفض الإجابة عن استفسارات التحقيق الصحفي، بل قال: «ربما تكون الأرقام صحيحة، ولن أرد عليها»، قلت له: إن ردك هو احترام للرأى العام وتقديم الحقيقة للناس، فإن كان ردك منطقيا وعقلانيا سنعتذر؛ لأننا نملك القدرة على الاعتذار. وانتهى اللقاء دون رد أو وعد بالرد.
عندما قلت للدكتور شريف أبو النجا: لماذا لا تعلنون ميزانيتكم للناس؟ قال: هل يجوز أن نطالب عمرو أديب بإعلان راتبه للناس؟ قلت: عمرو إعلامي يعمل لدى القطاع الخاص، فليأخذ ما يأخذ حتى لو كان يحصل على الملايين، فهذه أموال خاصة، أما مستشفى ٥٧٣٥٧ فإنها أموال الناس، ومن حق الناس أن تعرف أين تذهب ولماذا؟ علما بأننا لا نتوقف عند الإنفاق على الأجور فقط، فهذه مسألة تحتمل أكثر من وجهة نظر.
تدخلت شخصيات كثيرة بعضها كبير جدا، وبعضها أصغر من رأس الدبوس، وكنا ومازلنا نقود معركتنا من أجل تحرير مستشفى ٥٧٣٥٧ من ضبابية الإدارة إن وجدت، وأننا نستهدف الإبقاء على حماس الناس لاستكمال ما بدأناه، وأن المستشفى بدأ ولن ينتهى أبدا ما ظل الناس بما فيهم من وازع أخلاقى قادرين على العطاء والبناء، وتقديم نموذج إنسانى للبشرية كلها، وليس لمصر فقط.
ما زلت أقول هناك فرق بين الإدارة والكيان؛ الإدارة قد تتغير، أما الكيان فلا بد أن يستمر، إذ لا يجوز الخلط بين الأوراق، ومصر التي خاضت معركة الخلاص من أخطبوط الاستبداد لا بد أن تتفرغ الآن لخلق منظومة تحمى تبرعات المصريين، بحيث لا تترك هكذا دون رقيب أو حسيب..
لا بد أن نعرف حجم تبرعات المصريين ومنافذ إنفاقها ليس في مستشفى ٥٧٣٥٧ فقط، وإنما يجب أن يكون الحل شاملا لدفع عجلة العمل الأهلي إلى الأمام وبشفافية، لا نظن أن القائمين عليها يضيرهم كشف الأوراق للناس، فهم أصحاب هذه المشروعات وليس غيرهم.
وأختم بقولي: إننا نشرنا أرقاما من واقع ميزانيات، ونظن في القائمين عليها خيرا، ولا نتهم أحدا بالفساد، فالخلاف بيننا لا يمنحنا حق اتهام الناس بالباطل، ونحن على يقين أن إعمال العقل والمنطق سيدفع القائمين على أمر المؤسسات الأهلية كلها للمبادرة بالإعلان عن ميزانيات مؤسساتهم دفاعا عن نزاهتهم وشرفهم وأماناتهم، واعترافا لصاحب الفضل بفضله، وصاحب الفضل هو الشعب وليس غيره.
وأختم مقالي هذا بدعوة المصريين جميعا إلى التبرع لمستشفى 57357 وغيرها من المشروعات الأهلية المهمة التي تستهدف خدمة الفقراء والمعدمين.