رئيس التحرير
عصام كامل

«حق ميت»..أسرة ضابط مصري تبحث رد اعتباره بعد أكثر من 60 عاما على وفاته.. قتله ضابط فرنسي.. ومعتقل سري يكشف الجريمة.. شقيقه يلجأ للقضاء للحصول على حقه.. ومحكمة النقض تفصل في القضية

الملازم أول مختار
الملازم أول مختار الراوي


كان يعرف أن للحرب قوانينها، حتى بين زخات الرصاص وأصوات المدفعية وقنابل الطائرات، وأن ثمة خطوط لا يمكن تجاوزها بين المتحاربين، بالأمس كانت تلك الخطوط دون أي اتفاق لكنها تعبر عن فطرة الإنسان، أما في زمن لم تعد فطرة الإنسان ذات قيمة فقد لجأت الدول إلى اتفاقيات ونصوص تنظم كل هذا.


في الحرب هناك منتصر ومهزوم ومقاوم، وهناك أيضًا «أسير» ذلك الذي يقع في يد عدوه لن يكون أبدًا لقمة سائغة، القوانين الدولية حددت تعامله باحترام، لكن هذا لم تفعله فرنسا، وهي تخوض عدوانها على مصر عام 1956 حين وقع في الأسر الشهيد مختار الراوي، الذي بدأت قصته منذ تلك الواقعة وحتى الآن، ورغم أن الأشهر في التاريخ المصري أسرى نكسة يونيو، لكن هناك قضايا أخرى وملف مسكوت عنه اسمه أسرى العدوان الثلاثي، ولعل ما حدث لـ«الراوي» قطرة من بحر.

القصة وما فيها
بدأت القصة في صحراء سيناء حين كانت مهمة الملازم أول مختار الراوي ستر القوات المنسحبة من سيناء، واستطاع أن يفعل ذلك على أكمل وجه، ثم عاد إلى بورسعيد التي لم يكن يعلم أنها وقعت في أيدي الفرنسيين، وقتها فقط تمت محاصرته مع جنوده، ورغم أن القوانين الدولية تنص على معاملة الأسرى باحترام لكن ضابطا فرنسيا أراد السخرية منه ومعاملته بطريقة غير لائقة، فما كان من الضابط المصري سوى الرفض ليلقى جزاءه بفصله عن قواته وحجزه منفردًا.

عمر الراوي شقيق الشهيد مختاري الراوي ما زال يحفظ تفاصيل القصة جيدًا ليرويها لـ"فيتو".

اعترض أخاه فأخذه الفرنسيون ولم يظهر له أثر حتى بعد انتهاء الحرب وتبادل الأسر، يتذكر «عمر» تلك اللحظات جيدًا حين كان القلق والخوف والفزع هو عنوان بيتهم الصغير، الوالد حائر، يبحث عن ابنه، لم يترك مكانا إلا وأرسل خطابات يستفسر عن مصير نجله، القوات المسلحة المصرية، الحكومة المصرية، الصليب الأحمر، وحين هدأت الأمور قليلًا وتم استبيان الأمر حصل الوالد على وثيقة من إدارة شئون الضباط بالقوات المسلحة تفيد باستشهاد فلذة كبده في 1 نوفمبر 1956، وعلى إثر ذلك تم منحه وسام نجمة الشرف العسكرية من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

كان يمكن أن يكون الأمرًا عاديًا، شهيد ضمن آلاف الشهداء، لكن للقصة وجه آخر كشفها زملاء «الراوي» الذين تواصلت معهم أسرة الشهيد، ومنهم أحمد أبو طويلة جندي حارب مع «الراوي» ليكشف لهم أن ابنهم قتل بيد القوات الفرنسية التي أودعته أحد المعتقلات السرية في بورسعيد التي كانوا يحتلونها، فبعد رحيل قوات المعتدين وجدوا هذا المعتقل مكتوبا على أحد حوائطه رسالة «أنا ملازم أول مختار راوي.. قتلت بيد القوات الفرنسية هنا»، تلك الرواية كما يقول «عمر الراوي» كررها أكثر من فرد منهم النقيب صدقي السباعي والملازم فايز عزت.

حتى عام 1985 لم يكن ممكنًا الحصول على أي حق، يكمل «عمر»، مشيرا إلى أنه بعد العدوان كان هناك قطع علاقات بين مصر وفرنسا، أعقبها ما حدث من تطورات مثل نكسة يونيو وانتصار أكتوبر، حتى القوانين ذاتها كانت غير مجدية لكن في هذا العام أي عام 1985 تغير كل شيء، فقد أقرت الحكومة الفرنسية بأن جرائم قتل الأسرى لا تسقط بالتقادم، ومن هنا بدأت الرحلة.

دعوى قضائية حملت حيثيات كل ما تم سرده سابقًا كان ما فعله عمر الراوي، رافعًا شعار لا يضيع حق وراءه مطالب، ومطالبًا برد الاعتبار من الناحيتين المادية والمعنوية لأخيه الشهيد، مختصمًا السفارة الفرنسية في مصر، لكن محكمة الاستئناف لم توافق على تلك الدعوى ورفضتها.

أكمل عمر رحلته، ولكن تلك المرة في محكمة النقض التي قالت في حيثيات قبول الدعوى: إنها قضية جديرة بالاهتمام ومن ثم أحالتها إلى محكمة النقض مرة أخرى التي حددت 15 أكتوبر المقبل للفصل في تلك القضية.

يؤكد «عمر» أن الدعوى لا تتعلق بالتعويض ولا نبحث عن أموال، لكن البحث عن رد الاعتبار هو الأهم، فتلك الدول لا تفرط في أي شيء يخصها، وألمانيا تدفع لإسرائيل حتى الآن تعويضات عن جرائم الهولوكست، وبالتالي فإن دعواه قد تكون بداية الطريق للكثير ممن فقدوا في الحروب المصرية، ودافعوا عن تلك الأرض دون أن يعلم مصيرهم أحد، لافتًا إلى أنه خلال السنوات الماضية كانت هناك بعض الدعاوى التي استطاع أصحابها الحصول على رد الاعتبار المادي والمعنوي، وهو ما يعني أن القضاء المصري قادر على إعادة الحقوق لأصحابها.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية